العرب وتحالفات الخوف والكراهية
المألوف أن تبني الأمم تحالفاتها على القيم المشتركة أولًا، وقد تتزاوج القيم والمصالح، وقد تنتجها. أما أن تنشأ التحالفات على الخوف من عدو مشترك، أو كراهيته، فهذا "مرض عربي" بامتياز.... منذ "الربيع العربي"، تتحرّك دول عربية، شرقًا وغربًا، بحثًا عن حلفاء يشاركونها الخوف والكراهية، حيث لا تكاد توجد تصوّرات للممكنات يمكن البناء عليها مستقبلًا، لا في السياسة ولا في الاقتصاد. وفي مواجهة عدّة تحوّلات مهمة متزامنة، تبني جسورا "واهية" مع دول قريبة أو بعيدة، لا قاعدة تتأسّس عليها سوى ذلك. وضمن هذه العوامل دور إقليمي تركي متنامٍ جعل اليونان قبلة عددٍ لا يستهان به من الدول العربية، في احتكام "بدائي" لمنطق: "عدو عدوي صديقي". في المقابل، أصبحت الصين (بكل خطاياها) مدعوّة "فجأة" إلى الحضور والتمدّد وجني ثمار رغبة غير منطقية في رفض التوجّه الأميركي نحو مزيد من ربط علاقاتها الدولية بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي رد فعل "آلي" على الصعود السياسي لـ"الإسلاميين" بعد "الربيع العربي"، بدت "العلمانية الفرنسية" لعواصم "الثورة المضادّة" قارب النجاة الذي سيُنقذ سياسات "التحديث الاستبدادي"، وهي سياساتٌ لا أمل في نجاحها في محيط جغرافي، من العبث تصور إمكان تغييب "الدين" عند تصوُّر هويته ومرجعيته الفكرية وصيغة الاجتماع السياسي التي يمكن أن تُكتب لها الحياة من دون "رعاية" قوة خارجية.
وقد تقاطعت موجة التحالفات القصيرة التي أطلق "الربيع العربي" شرارة موجاتها المتلاحقة مع حسابات جيوستراتيجية مسكونة بتعقيدات مزمنة، والاصطفاف في مواجهة تركيا كانت أصداؤه الصراع على مصير ليبيا، وأزمات غاز شرق المتوسط لم تكن أبدًا مقطوعة الصلة بالتدافع الصيني/ الهندي القديم الجديد. وفي إطار "استراتيجية المضايق" الإماراتية، من المرجّح أن تصبح مصر، قريبًا، مدعوة إلى الانضمام للتحالف مع الهند. ومع الرغبة في حسم المفاضلة بين العدوين التقليديين: الصين والهند، لحساب "تحالف استراتيجي" مع الصين، جاء التحالف الإماراتي/ الفرنسي/ الهندي، ليكشف عمق التناقضات والتصدعات غير المرئية في صفوفٍ بدا، سنوات، أنها متراصّة!
أن تنشأ التحالفات على الخوف من عدو مشترك، أو كراهيته، فهذا "مرض عربي" بامتياز.
ومن الهند، يأتي صوت كاشف يضع يده على مفارقات العلاقة بين التحالفات التي تصدّعت سريعًا، ووريثتها التي شيدت على القاعدة نفسها: الخوف والكراهية. تلميذ أحمد، السفير الهندي السابق لدى ثلاث دول خليجية، أستاذ العلاقات الدولية المرموق، كتب في موقع The wire الهندي المستقل (7 فبراير/ شباط 2023) ما يستحقّ التوقف عنده. إنه يكشف عن إحدى مفردات "الفاتورة المسكوت عنها" للتحالف مع الهند، حيث "الحكومة الهندية واثقةٌ من أن إحجام دول غرب آسيا عن التعليق على التطوّرات المحلية في البلدان الأخرى، هو نتيجة خوفها من تعرّض وضعها الكئيب للتدقيق الدولي، وهذا سيضمن للهند أن إساءة معاملة الحكومة لمجتمعها المسلم لن تكون موضع إدانة". وفي التحالف مع الصين فاتورة مشابهة تخصّ قمع مسلميها. ويرى تلميذ أن الرغبة في بناء موقف موحد في مواجهة المد الديمقراطي الغربي أوجدت إحساسًا كاذبًا بالصداقة الحميمة"!
والآن، جمعت الكراهية المشتركة بين مودي وحلفائه العرب. ومن هذا التلاقي، نشأ حرص على استكشاف الفوائد المتبادلة الممكنة التي يمكن تبادلها بين شركاء "التحالفات العارضة". ومع التحالف الثلاثي: فرنسا، الإمارات، الهند (4 فبراير/ شباط 2023)، ستبدأ جولة تدافع إقليمي جديدة دُعيت فيها الهند، للمرّة الأولى، لدخول المنطقة والتمدّد فيها، وأهم ما تشترك فيه الهند مع حلفائها العرب "النظر إلى كل تعبيرات الإسلام السياسي على أنها مظاهر للإرهاب". وبحسب السفير الهندي السابق، ما له أولوية قصوى عند مودي هو "إعادة بناء (فكرة) الهند" بالتخفّف من الالتزام الديمقراطي العلماني للبلاد "لمنح أفضلية للأغلبية الهندوسية".
وفرنسا في هذا التحالف في موضعها الصحيح، راعيةً للتبشير بـ"العلمانية الفرنسية" بخطابها الجذري المخاصم للتديّن ودوره في الفضاء العام، لكن الأطراف العربية التي بحثت عمّا اعتبرته قارب نجاة في التقارب مع اليونان والصين وإسرائيل اختارت، في النهاية، التحالف مع الهند، رغم أن علاقتها بكل من الصين وباكستان تنطوي على تعقيدات إقليمية كثيرة، وسوف تكون لها ارتدادات إقليمية كثيرة. ومن لم ينجحوا خلال أكثر من سبعة عقود في تحويل جامعة الدول العربية إلى "حلف دفاعي"، عقدوا "فورًا" تحالفًا دفاعيًا مع الهند، يسير على ساقين: الكراهية والخوف.