20 نوفمبر 2024
العملية التركية ونهاية الثورة السورية
شكّل قوميّو أكراد سورية، منذ ثورة 2011 التي خافوها ففضلوا عليها قاتلهم التاريخي، نظام الأسدين، عنصراً من بين عناصر داخلية وازنة كثيرة. أشهروا ورقة البراغماتية الفجة علناً، من دون قفازات، فتعاملوا مع الخيارات السياسية الكبرى تعامُل التاجر مع زبائن يتنافسون على البضاعة: عرضوا قوتهم العسكرية الميدانية في سوق التحالف مع النظام السوري في مقابل حزمة مطالب، من نوع إعطائهم فدرالية كردية ما، ومنصب وزير النفط، ودستوراً يعترف بهم مكوناً قومياً رئيسياً. رفضت دمشق واختارت الجزرة والعصا في التعاطي معهم: تارة تهددهم بمصير قامشلي جديد، ثم تتركهم يحكمون "إدارتهم الذاتية" نكاية بتركيا تارة أخرى، فيردون الجميل بأحسن منه، ويؤدون أدواراً حاسمة في فتح طرقات الاحتلال الروسي ــ الإيراني ــ الأسدي في جبهات حاسمة ضد المعارضة السورية المسلحة كما حصل في حلب أواخر 2016 مثلاً. انعطفوا على الروس الذين أغروهم بالفتات في فترة ما قبل المصالحة سيئة الذكر بين أنقرة وموسكو، لينتهي شهر العسل الكردي ــ السوري مأتماً على مأدبة المصالح الروسية ــ التركية التي لا تترك مكاناً لفتات الحلفاء. ظنّ قوميّو أكراد سورية أخيراً أن الغرب لن يخذلهم مثلما فعل معهم ومع أشقائهم الأتراك والعراقيين والإيرانيين طيلة عقود، منذ ما قبل عهد عبد الله أوجلان، ورموا كامل أوراقهم تحت رئاسة باراك أوباما في المحفظة الأميركية التي تتسع لجيوب أوروبية كثيرة، فجاءت التضحية بهم بأسرع مما توقع قادتهم.
عرض قوميو أكراد سورية "بضاعتهم" على كل الأطراف، إلا على مَن كان يمكن أن يشكلوا معهم معارضة حقيقية وفاعلة، أي ثوار سورية في زمن عاميها الأوّلين. افترضوا سوء النية باكراً، واعتبروا أن دعم تركيا لهؤلاء، موجه ضدهم بالتحديد. حينها، لم يكن هناك لا "داعش" يعتبر أن مقاتلة الأكراد "جهاد أكبر"، ولا "نصرة" كراهيتها للقوميين الأكراد تنافس عداء تركيا الرسمية لهؤلاء. كل ما كان حينها هو جيش حر وثوار امتلأت طرقاتهم وتظاهراتهم بلافتات أخوّة موجهة إلى أشهر المدن والبلدات ذات الغالبية السكانية الكردية، ليطلبوا تكاتفاً عربياً كردياً ضد نظام البعث. لكن التحية تم الرد عليها بكل سلبية تعادي ألف باء السياسة، بمعادلة تافهة تفيد بأن تركيا تدعم الثورة السورية، بالتالي فإنّ مناهضتها هي مكاننا الطبيعي وخيارنا الاستراتيجي: ننتحر نكايةً، ونقضي على البلد نكاية. حصل ما حصل وتمدد النفوذ الكردي القومي العسكري والديمغرافي إلى مناطق عربية "صافية" لا وجود تاريخياً للأكراد فيها، طاول الرقة ودير الزور ومناطق شاسعة من أرياف حلب والجزيرة السورية، برعاية التحالف الدولي ضد "داعش"، وارتُكبت تجاوزات كثيرة وتهجير ديمغرافي بحق السوريين العرب غذت أحقاداً مريضة قديمة متبادلة بين العرب والأكراد، راعيها الأول حافظ الأسد ومن بعده ولده. وحين تراخت قبضة باراك أوباما وسمحت بتنفيذ تركيا عملية "درع الفرات" صيف 2016، وحين لاحت نوايا دونالد ترامب وأعطت موافقة لتنفيذ "غصن الزيتون" مطلع 2018، ارتكبت تجاوزات مضادة بحق الأكراد غذت بدورها عداوات يخشى ألا تندمل آثارها.
خطايا القوميين الأكراد في سورية، خصوصاً منذ انطلاق الثورة السورية، ربما لا تُحصى. لكن من يستند إليها لتبرير العملية العسكرية التركية الحالية أو يفرح لها، لا بد أن يكون صاحب خيارات خاطئة تنهل من معجم مصطلحات بشار الأسد وحسن روحاني وفلاديمير بوتين. العملية العسكرية التركية في الشمال السوري لا علاقة لها بأهداف الثورة السورية، ولا بـ"سورية جديدة" طمح إلى ولادتها ملايين السوريين، ولا صلة رحم تربطها بحلم نهاية الديكتاتورية وبمشروع التحول الديمقراطي. العملية التركية في الشمال السوري قد تكون إحدى آخر المحطات قبل الإعلان الرسمي عن نهاية الثورة السورية. لروسيا حصة الأسد من البلد، ولإيران حصص توزعها على مليشياتها "الوطنية" واللبنانية والعراقية، إذاً، كان لا بد لتركيا من حجز مساحتها من النفوذ في سورية قبل إسدال الستارة، ولا بأس إن استعار رجب طيب أردوغان في سبيل ذلك، من روحاني وبوتين وأضرابهما، شعارات من نوع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وإعادة ملايين اللاجئين إلى بلدهم.
خطايا القوميين الأكراد في سورية، خصوصاً منذ انطلاق الثورة السورية، ربما لا تُحصى. لكن من يستند إليها لتبرير العملية العسكرية التركية الحالية أو يفرح لها، لا بد أن يكون صاحب خيارات خاطئة تنهل من معجم مصطلحات بشار الأسد وحسن روحاني وفلاديمير بوتين. العملية العسكرية التركية في الشمال السوري لا علاقة لها بأهداف الثورة السورية، ولا بـ"سورية جديدة" طمح إلى ولادتها ملايين السوريين، ولا صلة رحم تربطها بحلم نهاية الديكتاتورية وبمشروع التحول الديمقراطي. العملية التركية في الشمال السوري قد تكون إحدى آخر المحطات قبل الإعلان الرسمي عن نهاية الثورة السورية. لروسيا حصة الأسد من البلد، ولإيران حصص توزعها على مليشياتها "الوطنية" واللبنانية والعراقية، إذاً، كان لا بد لتركيا من حجز مساحتها من النفوذ في سورية قبل إسدال الستارة، ولا بأس إن استعار رجب طيب أردوغان في سبيل ذلك، من روحاني وبوتين وأضرابهما، شعارات من نوع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وإعادة ملايين اللاجئين إلى بلدهم.