العنصرية في إسرائيل لا تتبدّل
تمرّ الأعوام تلو الأعوام، وحال العنصرية في إسرائيل لا يتبدّل. وليس هذا فحسب، إنما أيضًا تتفاقم وتطاول فئات أخرى غير السكان العرب الذين كانوا ولا يزالون ضحاياها الرئيسيين. هذا ما أكّدته، أخيرا، وإنْ بالتلميح وليس بالتصريح، عضو الكنيست السابقة من أصل روسي، كسينيا سفيتلوفا، من حزب الحركة المنحل (بزعامة الوزيرة السابقة تسيبي ليفني، المنشقّة عن حزب الليكود ولاحقًا عن حزب كاديما)، وذلك في سياق مقابلة أجرتها معها صحيفة هآرتس، في مناسبة صدور كتابها "على كعبٍ عالٍ في الشرق الأوسط"، تحكي فيه انطباعاتها عن أحداث مستجدّة في عدة دول عربية، من خلال تغطيتها مباشرة مراسلة لإحدى قنوات التلفزة الإسرائيلية أعواما.
تشير سفيتلوفا، من ضمن أمور أخرى، إلى العنصرية التي واجهتها بشكل شخصي لمجرّد أنها من أصل روسي، وارتباطًا بالفكرة العامة السائدة في دولة الاحتلال، أن معظم الروس الذين هاجروا من الاتحاد السوفييتي السابق في تسعينيات القرن العشرين الفائت ليسوا يهودًا أصليين. وبناء على ذلك، تبقى حقوقهم منقوصة في دولةٍ تعرّف نفسها دستوريًا بأنها يهودية، وهي تجزم بأنها لم تعايش في حياتها عنصرية كالتي عايشتها خلال أعوام عضويتها في الكنيست الإسرائيلي.
يتعيّن أن نسجّل بداية أن سفيتلوفا تستعمل كلمة عنصرية كي تصف، في الوقت عينه، سياسة إقصاء آخذة بالتصاعد في الآونة الأخيرة، تسم العلاقات بين فئات السكان اليهود في دولة الاحتلال. وتعكس، بكيفية ما، أطرافًا مُحدّدة في ما يمكن اعتبارها بمثابة صيغة جديدة للتصدّع الطائفي، جعلت من فئة اليهود المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، ومن ثم فئة المهاجرين اليهود من إثيوبيا، تشكلان أبرز أطراف هذا التصدّع، في حين وقف في صلب الصيغة القديمة التصدّع الطائفي بين اليهود الغربيين الأشكناز واليهود الشرقيين السفاراديم.
تُضاف إلى هذا سياسة إقصاء ناجمة عن مفهومٍ جديد، صار إلى رسوخ في عهد بنيامين نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، المستمر منذ عام 2009، وبموجبه كل من هو ضده عدو يجب إسكاته، وكل من هو معه يمكن مدّ اليد إليه، حتى لو كان من "معسكر الأعداء"!
غير أن سفيتلوفا، من خلال إشارتها هذه، تغمز أيضًا من قناة عقيدة الحركة الصهيونية القائمة على العنصرية أصلًا، فتكشف أنها، في أثناء دراستها الجامعية، بدأت تدرك شيئًا فشيئًا أن القصة التي اختلقتها تلك الحركة، وثقفت عليها كل الأجيال الإسرائيلية المتعاقبة، ومؤدّاها أن البلاد التي جاء اليهود إليها (فلسطين) كانت خاليةً، وعاشوا فيها بهدوء وسكينة، إلى أن هاجمهم القتلة العرب عام 1948، هي غير دقيقة بتاتًا في أحسن الأحوال. وعندها بدأت تعتقد بلزوم معرفة الحيّز الذي تحيا فيه، وتعلم اللغة العربية بدافع الفضول والشغف، وليس باعتبارها لغة عدوّ تُستعمل لإملاء الأوامر في الحواجز العسكرية. وفي عرفها، يشكّل كتابها محاولة لتقديم معرفة حول الإقليم من منطلق التعويل على أن المعرفة تكبح خطر الجهل، خصوصًا في أوساط "أناسٍ وصلوا إلى هنا مع أفكار مسبقةٍ معشّشة في رؤوسهم، ولا تستند إلى أي معرفة"، كما تنعت جلّ الإسرائيليين.
تدلّ شهادتها، بخصوص اليهود الروس، على مبلغ غلواء سياسة الإقصاء التي ينتهجها الحكم الإسرائيلي، بما يدفع أمثالها إلى إطلاق نبرة احتجاج عالية. وبموازاة ذلك، تظل في الخلفية حقيقة لا يجوز عدم استحضارها، أن من أبرز مظاهر تفاقم العنصرية الإسرائيلية خلال العامين الأخيرين، سن قانون القومية الإسرائيلي الذي قيل فيه الكثير والكثير، ومنه أنه رسخ المواطنة على الدين، وتحوّلت به إسرائيل إلى دولة شعب مُحدّد بتعابير دينية. ومع أنه موجّه بالأساس ضد السكان الفلسطينيين، فإن فيه جانبًا يتعلق بالسكان اليهود أيضًا، كون الدولة تمنح جناحًا صغيرًا من هذا الشعب المحدّد بتعابير دينية (جناح اليهود الأرثوذكس) الحق في السيطرة على تصنيف الانتماء الديني.