06 نوفمبر 2024
القتال بسيوف الآخرين
نادراً ما شاهد العالم حرب تهديداتٍ علنية، تنتمي إلى قاموس وعيد العشائر، بين دولتين، مثلما يحصل هذه الأيام بين أميركا وإيران. الأولى رئيسها، وهو أسفل ما أنتجته أميركا، وسياستها السافلة بدورها، كأنه آتٍ من أي مكان إلا من حيث للسياسة، وهي تشمل الحروب حكماً، أصول وقواعد وقوانين، أكيد أن لا شيء مما يتقيأه عموماً دونالد ترامب يدخل من ضمن معجمها. الثانية، إيران، حكامها يشتغلون السياسة تاريخياً بإضاعة الوقت (يحلو لبعضهم تسميتها دبلوماسية حياكة السجاد) وبتشبيحٍ غالباً ما يكون بالوسائط الكثيرة التي زرعوها في بلدان عربية عاثوا فيها تقسيماً وتدميراً وأسالوا دماءً غزيرة، بمبدأ موروث من نصيحة حافظ الأسد لبيار الجميل: ضع كلمة فلسطين على لسانك وافعل ما شئت.
لكن، ماذا تعني كل هذه التهديدات الإيرانية العلنية بالانتقام لقاسم سليماني؟ وماذا يفيد، من وجهة نظر عسكرية على الأقل، تبرُّع مسؤولين إيرانيين أو ملحقين لإيران في لبنان واليمن والعراق، لتحديد الأهداف الأميركية التي ستكون عنوان الثأر لدماء قاسم سليماني؟
يمكن تصور جواب من اثنين: إما أن صدمة خسارة محور الممانعة شخصية من وزن سليماني لا تزال مسيطرة على كل ما ينطق به مسؤولو إيران وحزب الله والحوثيون ومليشيات الحشد الشعبي، فتراهم لا يفكرون بما يجهرون، وبما يفترض أن يكون سرّياً للغاية في حالاتٍ مماثلة، وهذا ألف باء السياسة والحرب، إن اتفقنا على أن الفعل الموجع لا يستوي مع اللسان الطويل. أو أن التنفيس بهذا الشكل عن غضبهم، ضروري في مخاطبة هؤلاء أنفسهم، قبل جمهورهم، إلى درجة أن كثافة التهديدات سرقت من الكلام الكبير، الكثير من خطورته ومن جدّيته.
أغلب الظن أن دموع علي خامنئي وهو يؤم الصلاة على سليماني، كانت صادقة. لا يهم إن كانت صادقة أقل أو أكثر من صدق الدموع الكثيرة التي ذُرفت في سورية خصوصاً، وفي العراق وأمكنة كثيرة أخرى على آلاف المدنيين الذين يتصدّر قاسم سليماني لائحة المسؤولين عن ترحيلهم من دنيانا. المهم أنه لا بد من استيقاظ الحنكة السياسية في دوائر الحكم الإيراني للتيقن من أن رداً على طريقة ما يُحكى عنه في فورات الغضب الإيراني، بهذا الوضوح، حتى ولو نفذه أتباع حكام طهران في بلدان عربية، لن يُنظر إليه على أنه فعل مستقل عن القرار الإيراني، بل ربما تتعامل أميركا مع صواريخه كأنها انطلقت بالفعل من مشهد أو طهران أو أصفهان، لا من جنوب لبنان أو صنعاء أو الجولان المحتل أو بغداد أو غزة. ربما لن يكون عندها من مجال للتنصل من نبوءة مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء مرتضى قرباني، صاحب القول المأثور: في حال ارتكبت إسرائيل أصغر خطأ تجاه إيران، فستسوى تل أبيب بالتراب انطلاقًا من لبنان من دون الحاجة لإطلاق رصاصة واحدة من إيران.
هل يعتقد حكام طهران أن العالم صدق فعلاً أنهم لم يستهدفوا منشآت "أرامكو"، وناقلات النفط في الخليج، بل حوثيون في الحالة الأولى وأشباح في أحداث سفن مضيق هرمز؟ بنفس درجة يقين حكام طهران أن العالم يدرك تماماً من الذي قصف هذه الأهداف، فإنهم يعرفون أن ضرب أهداف أميركية "كبيرة"، بهذه العلنية التي يتحدثون بها منذ اغتيال سليماني، يعني، من ضمن ما يعنيه، تهديد بقاء نظامهم، إلا إن كانوا أيضاً يعتقدون أن هناك نوعاً من التوازن في القوة العسكرية بين أميركا وإيران.
حتى ولو كان وارداً استيقاظ الحنكة السياسية عند حكام طهران لاستيعاب أبعاد المغامرة إن تُرجمت كلمات اليوم إلى أفعال غداً، فهذا لا يعني أن ردّاً إيرانياً ضد أهداف أميركية في المنطقة لن يتحقق. ولا أن الحرب الكلامية لن تترجم أفعالاً باسم العين بالعين والسن بالسن. لكن الأفعال تلك لن تصدر عن طهران مباشرة على الأرجح، بل عن أتباعها الموزعين من لبنان وسورية إلى العراق فاليمن، من دون الحديث عن احتمال وجود خلايا نائمة في بقاع عربية أخرى... وحينئذ، على شعوب تلك البلدان أن تحصي الكوارث... كوارث أميركا لم تعبأ يوماً إلا بمواطنيها، ومصائب نظام إيراني لم يعبأ يوماً لا بمواطنيه ولا بمواطني بلدان أخرى.
يمكن تصور جواب من اثنين: إما أن صدمة خسارة محور الممانعة شخصية من وزن سليماني لا تزال مسيطرة على كل ما ينطق به مسؤولو إيران وحزب الله والحوثيون ومليشيات الحشد الشعبي، فتراهم لا يفكرون بما يجهرون، وبما يفترض أن يكون سرّياً للغاية في حالاتٍ مماثلة، وهذا ألف باء السياسة والحرب، إن اتفقنا على أن الفعل الموجع لا يستوي مع اللسان الطويل. أو أن التنفيس بهذا الشكل عن غضبهم، ضروري في مخاطبة هؤلاء أنفسهم، قبل جمهورهم، إلى درجة أن كثافة التهديدات سرقت من الكلام الكبير، الكثير من خطورته ومن جدّيته.
أغلب الظن أن دموع علي خامنئي وهو يؤم الصلاة على سليماني، كانت صادقة. لا يهم إن كانت صادقة أقل أو أكثر من صدق الدموع الكثيرة التي ذُرفت في سورية خصوصاً، وفي العراق وأمكنة كثيرة أخرى على آلاف المدنيين الذين يتصدّر قاسم سليماني لائحة المسؤولين عن ترحيلهم من دنيانا. المهم أنه لا بد من استيقاظ الحنكة السياسية في دوائر الحكم الإيراني للتيقن من أن رداً على طريقة ما يُحكى عنه في فورات الغضب الإيراني، بهذا الوضوح، حتى ولو نفذه أتباع حكام طهران في بلدان عربية، لن يُنظر إليه على أنه فعل مستقل عن القرار الإيراني، بل ربما تتعامل أميركا مع صواريخه كأنها انطلقت بالفعل من مشهد أو طهران أو أصفهان، لا من جنوب لبنان أو صنعاء أو الجولان المحتل أو بغداد أو غزة. ربما لن يكون عندها من مجال للتنصل من نبوءة مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء مرتضى قرباني، صاحب القول المأثور: في حال ارتكبت إسرائيل أصغر خطأ تجاه إيران، فستسوى تل أبيب بالتراب انطلاقًا من لبنان من دون الحاجة لإطلاق رصاصة واحدة من إيران.
هل يعتقد حكام طهران أن العالم صدق فعلاً أنهم لم يستهدفوا منشآت "أرامكو"، وناقلات النفط في الخليج، بل حوثيون في الحالة الأولى وأشباح في أحداث سفن مضيق هرمز؟ بنفس درجة يقين حكام طهران أن العالم يدرك تماماً من الذي قصف هذه الأهداف، فإنهم يعرفون أن ضرب أهداف أميركية "كبيرة"، بهذه العلنية التي يتحدثون بها منذ اغتيال سليماني، يعني، من ضمن ما يعنيه، تهديد بقاء نظامهم، إلا إن كانوا أيضاً يعتقدون أن هناك نوعاً من التوازن في القوة العسكرية بين أميركا وإيران.
حتى ولو كان وارداً استيقاظ الحنكة السياسية عند حكام طهران لاستيعاب أبعاد المغامرة إن تُرجمت كلمات اليوم إلى أفعال غداً، فهذا لا يعني أن ردّاً إيرانياً ضد أهداف أميركية في المنطقة لن يتحقق. ولا أن الحرب الكلامية لن تترجم أفعالاً باسم العين بالعين والسن بالسن. لكن الأفعال تلك لن تصدر عن طهران مباشرة على الأرجح، بل عن أتباعها الموزعين من لبنان وسورية إلى العراق فاليمن، من دون الحديث عن احتمال وجود خلايا نائمة في بقاع عربية أخرى... وحينئذ، على شعوب تلك البلدان أن تحصي الكوارث... كوارث أميركا لم تعبأ يوماً إلا بمواطنيها، ومصائب نظام إيراني لم يعبأ يوماً لا بمواطنيه ولا بمواطني بلدان أخرى.