11 نوفمبر 2024
الكتاب الذي أغضب ترامب
ينام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على سريرٍ منفصل عن سرير زوجته ميلانيا. .. هذه واحدة من المعلومات (المفيدة؟) التي يعرّف بها، مايكل وولف، قرّاء كتابه "النار والغضب.. في داخل البيت الأبيض" الذي ذاعت مواجيزُ منه، قبل صدوره أمس، وينبني على مائتي مقابلةٍ أجراها الصحافي الكاتب الأميركي، ربما أهمها مع المستشار الاستراتيجي الأبرز للرئيس ترامب، المستقيل في الصيف الماضي، ستيف بانون. وأن ينشط رئيس أميركا، وموظفون في البيت الأبيض، في الرد على الكتاب قبل أن يقرأه الناس، من قبيل أنه "محشوٌّ بالأكاذيب" فذلك يعني أن قلقا حقيقيا لدى هؤلاء من إذاعته وجبةً دسمةً من فضائح جاريةٍ في البيت الأبيض، وإنْ كثيرٌ منها مسلّ فحسب، ربما لأن الكتاب لم يفعل سوى تأكيد المؤكّد، و"توثيق المعلوم" عن المغرّد الذي يتولّى منصب رئيس الولايات المتحدة. وإذا كان الأخير قد نعت صديقه السابق، ستيف بانون، بأنه فقد عقله، فإن على من يسمع هذا القول أن يتحرّز من الظن أن ثمّة عقولا تعمل في البيت الأبيض تحت مظلة هذا الرئيس، فوقائعُ وفيرةٌ في العام الأول الذي انقضى من هذه الرئاسة (هل تكتمل أربعة أعوام؟) لا تدلّ على صواب هذا الظن.
يخبرنا مايكل وولف أن السخرية من تسريحة ترامب شعره تفعلها أيضا ابنته، إيفانكا، التي تتطلع إلى رئاسة أميركا (لم لا؟) بينما ميلانيا، زوجة الرئيس، غير مسرورة، بل وغاضبةٌ، من فوز بعلها بالرئاسة. ولما كانت علائم التبرّم على وجه الزوجة الحسناء هذه، في أثناء مراسم تنصيب ترامب، غير منسيةٍ بعد، فإن إضاءاتٍ على القصة ييسرها مؤلف "النار والغضب..."، من ذلك إنها بكت زعلا لما تأتّت الرئاسة لزوجها، وإن شجارا نشب بينهما قبيل تلك المراسم. وفي البال إن ميلانيا حاولت عبثا اصطناع ابتسامةٍ في غضون الحفلة الشهيرة. لم يكن غريبا أن تنفي زوجة السيد الرئيس هذا كله، فلا شغل في هذه الأيام في البيت الأبيض سوى تكذيب مايكل وولف وكتابه، وتهديد ستيف بانون بمقاضاته، وليس مستبعدا أن هذا الرجل يخفي مزيدا مما لديه لنشره في كتابٍ خاص به، في وقت آخر، فالمسألة مربحة، وهو إذا كان مشهورا بيمينيّته المتشدّدة فإنه أيضا معروفٌ بولعه بالمال، دلّ على ذلك أنه استجاب فورا لدعوة سفير الإمارات، يوسف العتيبة، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ليتكلم في ندوةٍ عن "دعم قطر الإرهاب"، مستعينا في هذا بورقةٍ قصيرةٍ مكتوبةٍ كانت معه.
لا تفيد طبائع دونالد ترامب الشخصية بأنه يصلح رئيسا، لا للولايات المتحدة ولا لغيرها، لكن الله غالب، فقد صار رئيساً، من دون محبّةٍ منه للإقامة في البيت الأبيض والعمل فيه، فقد شعر بالذعر منه، بدايةً، ولم يتبيّن أولويات شغله رئيسا بعد، على ذمّة مايكل وولف، المجنون بحسب الرئيس الذي يمنع عمّال الخدمة البيتية من لمس أشيائه، وأهمها فرشاة أسنانه، خوفا من أن يسمّموها (!).
ولكن، ثمّة قصة تعنينا، نحن العرب، بين هذه الحواديت والحكايات والخراريف التي يبدو أن الكتاب يتوفر على ذخيرةٍ غزيرةٍ منها، إنها قصة "هندسة" ترامب وصهره جاريد كوشنر (المكلف بعملية السلام في الشرق الأوسط!) إزاحة محمد بن نايف من ولاية العهد في العربية السعودية، ووضْع "رَجُلنا" محمد بن سلمان مكانه، بل في القمة، ملكا غير متوّج. لم يكترث البيت الأبيض (حتى كتابة هذه السطور) بالتعقيب على هذا الكلام، إن كان افتراءً أم إنجازا. والأرجح أن ترامب وكوشنر فعلاها، ربما بتأثير إماراتي على "الصفوة" من الطراز الحاضر في كتاب مايكل وولف، ويعملون في مؤسسة الرئاسة الأميركية، أو لأن محمد بن سلمان وافق هوى هؤلاء، أكثر من محمد بن نايف، المتحفظ، والمتحسّب، ورجل الأمن العتيد. ولا يرغب صاحب هذه الكلمات هنا بالضرب في الرمل، لحسم الصحيح من غير الصحيح في هذا الأمر، غير أن الهوس السعودي الظاهر بشخص ترامب وعائلته وفريقه (من تبقوا فيه ومن استقالوا أو استقيلوا) يسوّغ سوء الظن بهؤلاء الناس، في الرياض وواشنطن، وسوء الظن من حسن الفطن.
ما سبق ارتجالٌ يعلق على ما تيسر من مواجيز من كتابٍ، شائقٍ على الأغلب، أما بعد قراءته فللمقام ربما مقال آخر.