19 يناير 2024
اللاتوقعية في سياسة عهد ترامب الخارجية
اللاتوقعية هي ما حكمت سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الخارجية منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وهي تخالف تماما ما بُنيت المؤسسات لأجله، وما تسعى التحالفات الدولية لتجنّبه، بمعنى أن المؤسسات السياسية تُبنى في الدول الديمقراطية، من أجل تخفيف عبء قرار الفرد أو مساعدته على تحسين جودة قراراته على مستوى السياسة الخارجية. وفي الوقت نفسه، تسعى الدول إلى المشاركة في العبء عبر الدخول في تحالفاتٍ دوليةٍ، تخفف الأعباء السياسية والمالية والعسكرية، كما جرى في التحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. ولكن أن تغيّر دول كبرى، أو رئيسية في التحالف، قرار مشاركتها بين يوم وليلة، أو عبر "تويتر"، من دون إعلام حلفائها به، فذلك يسبّب بلبلة، وربما يهدّد صمود التحالفات الدولية بأكمله، لا سيما إذا تحولت اللاتوقعية هذه إلى سياسة يومية، وأنها أتت من أكبر دولة، هي من أسست التحالف وقادته على مدى السنوات الماضية.
هذه حال السياسة الخارجية الأميركية تحت إدارة ترامب في موقفها من سورية، إذ أعلن، وعبر "تويتر"، أنه سيسحب من سورية القوة الأميركية، من دون إشراك الحلفاء الذين لديهم قوات على الأرض السورية، وفي مقدمتهم فرنسا وبريطانيا، وهو ما انتقده وزير الدفاع الأميركي السابق، جيمس ماتيس، في كتابه الصادر حديثا الذي أفاد فيه بأن اللاتوقعية تهدد بناء التحالفات وقيادة الولايات المتحدة على مستوى العالم.
لم تكن آثار الانسحاب الأميركي من سورية عسكرية فحسب، وإنما على مستوى الساحة الدولية وعلى المستوى السياسي، فالانسحاب من الملف السوري سمح لروسيا أن تأخذ مقعد القيادة بشكل كامل من دون محاسبة أو مراقبة، والكل يعرف مدى استخفاف روسيا بمفاهيم مثل المحاسبة والعدالة وحقوق الإنسان اليوم، بل إنها تقود هجمة دولية من أجل إفراغ هذه المفاهيم من معناها، وتهديد المؤسسات الدولية التي بنيت خلال العقود الماضية، من أجل الدفاع عن هذه المفاهيم وحمايتها، فالولايات المتحدة اليوم، وعطفا على هذه السياسة، لم تقف في وجه السياسة
الروسية في سورية اليوم، وإنما يبدو أنها بسلبيتها سمحت لروسيا بالتمدّد في الملف السوري، والقيام بما يمكنها القيام به. ولذلك سيكون لذلك انعكاسات بعيدة المدى على سياسة الولايات المتحدة ومصداقيتها في منطقة الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة، على الرغم من استثمارها الكبير في المنطقة على مدى العقود الماضية، بدأت بالتراجع والانسحاب، وجعل الآخرين أكبر المستفيدين من هذا الانسحاب، وربما تكون إيران المستفيد الأكبر أولا في العراق، وثانيا في سورية، التي تعمل الآن على بناء أكبر قواعدها العسكرية هناك، على الرغم من التحذيرات الأميركية والإسرائيلية والضربات العسكرية الإسرائيلية في سورية، ما يؤشر إلى أن التحذيرات الأميركية لم تعد تؤخذ على محمل الجد، وأن مصداقية الولايات المتحدة على المحك. ويقابل ذلك تمدّد روسي من خلال البوابة السورية، وهو ما شجع أطرافا عربية، مثل مصر وليبيا والسعودية وغيرها، على التقرب من موسكو التي يرون فيها تأثيرا أكبر في منطقة الشرق الأوسط على المدى البعيد.
وفي كل الأحوال، فقدان الثقة بين الحلفاء هو غالبا ما يكون أول نتائج سياسة اللاتوقعية التي تنتهجها إدارة ترامب، وهو ما حصل بين الولايات المتحدة وفرنسا، عندما أعلن ترامب، وبشكل مفاجئ، سحب قواته من سورية، وهو ما يبدو أحد النتائج التي قد تؤثر في لعب الأطراف الأوروبية دورا فاعلا في الملف السوري، وهي تعرف أنه لا يمكن الوثوق بالحليف الأميركي الذي يغير رأيه من دون استشارة الحلفاء، أو التشاور معهم، وهو ما يفسر انعدام المبادرة الأوروبية باتجاه حل الأزمة السورية بشكل مطلق.
ولكن، يبدو أن آثار سياسة اللاتوقعية هذه تلقي بثقلها الأكبر في العلاقة التركية - الأميركية فيما يتعلق بالملف السوري، فتغير الموقف الأميركي الدائم من تركيا حتى التهديد لجهة فرض عقوبات على حليف في شمال الأطلسي (الناتو)، والتهديد عبر "تويتر" بضرب الاقتصاد التركي، كلها مواقف جاءت من الرئيس ترامب، لتُحدث شكا دائما في العلاقة المضطربة بين تركيا والولايات المتحدة، تقوم بشكل رئيسي على عدم ثقة أنقرة بواشنطن شريكا يمكن الاعتماد عليه، فإدارة ترامب تغير مواقفها بشكل دائم في الملف السوري، من دون إطلاع الجانب التركي على أسباب هذه التغييرات، أو حتى موجباتها، وهو ما سبب توترا دائما في العلاقة بين الطرفين.
لم تكن آثار الانسحاب الأميركي من سورية عسكرية فحسب، وإنما على مستوى الساحة الدولية وعلى المستوى السياسي، فالانسحاب من الملف السوري سمح لروسيا أن تأخذ مقعد القيادة بشكل كامل من دون محاسبة أو مراقبة، والكل يعرف مدى استخفاف روسيا بمفاهيم مثل المحاسبة والعدالة وحقوق الإنسان اليوم، بل إنها تقود هجمة دولية من أجل إفراغ هذه المفاهيم من معناها، وتهديد المؤسسات الدولية التي بنيت خلال العقود الماضية، من أجل الدفاع عن هذه المفاهيم وحمايتها، فالولايات المتحدة اليوم، وعطفا على هذه السياسة، لم تقف في وجه السياسة
وفي كل الأحوال، فقدان الثقة بين الحلفاء هو غالبا ما يكون أول نتائج سياسة اللاتوقعية التي تنتهجها إدارة ترامب، وهو ما حصل بين الولايات المتحدة وفرنسا، عندما أعلن ترامب، وبشكل مفاجئ، سحب قواته من سورية، وهو ما يبدو أحد النتائج التي قد تؤثر في لعب الأطراف الأوروبية دورا فاعلا في الملف السوري، وهي تعرف أنه لا يمكن الوثوق بالحليف الأميركي الذي يغير رأيه من دون استشارة الحلفاء، أو التشاور معهم، وهو ما يفسر انعدام المبادرة الأوروبية باتجاه حل الأزمة السورية بشكل مطلق.
ولكن، يبدو أن آثار سياسة اللاتوقعية هذه تلقي بثقلها الأكبر في العلاقة التركية - الأميركية فيما يتعلق بالملف السوري، فتغير الموقف الأميركي الدائم من تركيا حتى التهديد لجهة فرض عقوبات على حليف في شمال الأطلسي (الناتو)، والتهديد عبر "تويتر" بضرب الاقتصاد التركي، كلها مواقف جاءت من الرئيس ترامب، لتُحدث شكا دائما في العلاقة المضطربة بين تركيا والولايات المتحدة، تقوم بشكل رئيسي على عدم ثقة أنقرة بواشنطن شريكا يمكن الاعتماد عليه، فإدارة ترامب تغير مواقفها بشكل دائم في الملف السوري، من دون إطلاع الجانب التركي على أسباب هذه التغييرات، أو حتى موجباتها، وهو ما سبب توترا دائما في العلاقة بين الطرفين.