اللاجئون في يومهم العالمي
يمرّ اليوم العالمي للاجئين، والعداد لم يتوقف بعد. كان العالم ينتظر إدراج العودة التدريجية للاجئين السوريين على أجندة المنظمات الدولية والإقليمية، غير أنّ ذلك لم يحدث بالشكل الذي توقعوه. على خلاف هذا التفاؤل، اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، لتدفع ما يقارب أربعة ملايين مهاجر إلى مغادرة بلدهم، هرباً من مخاطر مُحدقة. ربما كان هذا العدد هو الأضخم من اللاجئين في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، رغم أنه يقارب عدد لاجئي عدة حروب اندلعت في أوروبا، على غرار الحرب البوسنية والصربية والنزاع في ألبانيا .. إلى آخره.
لم تفلح المنظمات الأممية، وفي مقدمتها المفوضية العليا للاجئين، في حسن إدارة الأزمات المتعاقبة، وظلت المنظمات الإنسانية عاجزةً عن تقديم الحد الأدنى من الخدمات، على غرار الصحة والتعليم. عمّقت جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وما تلاها من غلاء في مواد الطاقة والشحّ في المواد الغذائية هذا الإخفاق. ما دفع منظماتٍ عديدة إلى إعلان قلقها المتزايد، وهي التي قد تعجز عن تقديم الحد الأدنى من عدة الحاجات الملحة، إذا ما استمر الأمر على حاله في الخريف المقبل.
أعلن الاتحاد الأفريقي عن تسجيل حالات وفيات عديدة، ناجمة عن المجاعة في مخيمات اللاجئين في أكثر من بلد أفريقي، فالنزاعات المسلحة والحروب الأهلية التي تمزّق أكثر من بلد أفريقي على غرار الصومال وإثيوبيا والكونغو تؤكّد، مرة أخرى، أنّ ضحايا الحروب هم اللاجئون بلا منازع. المفارقة التي تسجّل في إدارة تدفقات اللاجئين أنّ أكثر من ثلاثة أرباعهم تستقبلهم بلدان فقيرة، وبلدان الشمال الغنية، على الرغم من التغطية الإعلامية لا تستقبل إلّا أعداداً محدودة. يقع العبء الأكبر في تحمّل اللاجئين على دول الجوار المتاخمة للبلدان التي تشهد الحروب الأهلية والجوائح الطبيعية، وهي عادة ما تكون بلدانا فقيرة، فليس من المصادفة أنّ القارّة الأفريقية تعدّ أهم فضاء منتج للجوء، وذلك على امتداد عقود، ربما الاستثناء في السنوات الأخيرة الحالتان، السورية والأوكرانية.
العرب أقل استقبالاً لإخوانهم وجيرانهم من اللاجئين. يعود هذا إلى خوف سياسي لا مبرّر له
يبدو أنّ الضمير العالمي يستجيب بأشكال مختلفة لأزمة اللاجئين، ما لا يعود إلى مجرّد الإمكانات المادية اللوجستية. عوامل ثقافية ما بدأت في إملاء تلك التوجهات. لا نريد أن نقيم مقارنة بين تعامل البلدان مع أزمتي اللاجئين السوريين واللاجئين الأوكرانيين، رغم أن العدد يتقارب، إلى حد ما، خصوصاً أنّ الأزمتين تقعان في قارتين مختلفتين، وفي سياقات جيوسياسية لا تتطابق، لكن يبدو أنّ اعتبارات ثقافية هووية قد حدّدت إدارة الأزمتين بشكل فارق. سخّرت الدول الأوروبية إمكاناتها من أجل إدارة أكثر حوكمةً وفاعليةً في استقبال اللاجئين في ظروفٍ حفظت كرامتهم الإنسانية، في حين ظلت أزمة اللاجئين السوريين من أسوأ الأزمات إدارةً في العقود الأخيرة. تثبت آلاف الوفيات على الحدود والعنف المسلط عليهم، علاوة على التحرّش بهم في أكثر من بلد، أنّ فوبيا اللاجئين القادمين من مناطق عربية ما زالت تحدّد نمط الاستقبال. ولذلك كانت مواقف المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، استثناءً بليغاً، شذّ عن المزاج الأوروبي المتبرّم من اللاجئين العرب عموماً. لا يمكن فهم ذلك من دون استحضار مشاعر كراهية الأجانب التي يغذّيها اليمين المتطرّف في أوروبا في العقود الأخيرة، مستثمراً التباسات الإرهاب وتداعياته على مشاعر الناس وقناعاتهم هنا وهناك.
لا يمكن أن نلوم الغرب على هذه المواقف، والحال أنّ العرب أقل استقبالاً لإخوانهم وجيرانهم من اللاجئين. ولا يعود هذا إلى نقص الإمكانات، ولا إلى القيم التي يُفترض فيها أن تحثّ الناس على استقبال غيرهم ممن يمرّ بهذه الأزمات، ويكون ضحية الكوارث والحروب، وإنما يعود إلى خوف سياسي لا مبرّر له، يتوهم أن المهاجرين هم مصدر عدم الاستقرار الأمني والتوازن الديموغرافي. وربما شكّل الأردن في التعامل مع اللاجئين العراقيين حالة دالة على إمكانية إدارة أزمة اللجوء في بلد عربي بشكل مغاير، ففي سياقاتٍ عديدة، يمكن لهذه الأزمات أن تدفع بتنشيط الاقتصاد وإدارة الاختلاف الديني والعرقي والإثني بشكل آخر.
تقتضي تجربة اللجوء النظر إليها تجربة في الضيافة والغيرية. يلوذ اللاجئون هرباً من حروب وكوارث إلى أماكن لا تربطهم بها وشائج عاطفية. ولذلك يكونون عرضة لأزمات نفسية عميقة، كيف يمكن لهم أن يتخلّوا عن ذاكرتهم وشبكات القرابة والجوار التي تمنح لحياتهم معنى؟ يستطيع المسافرون من الأثرياء أن يشتروا أمكنةً ينتجون في ذاكرة الاستهلاك والمتعة، ما يخفف عنهم صدمة الغربة وينسيهم ما افتقدوه. أما اللاجئون فإنّهم يعجزون عن ذلك، ويظلون يعانون من أزمات اندماج حادّة، لأنّهم عادة ما يكونون من أكثر الفئات هشاشة اقتصادية واجتماعية.