المؤشّر العربي: التلفزيون أولاً
أما وأن 4% فقط من المواطنين العرب يعتمدون على الصحف اليومية، الورقية ونسخها الإلكترونية، مصدراً لمتابعة الأخبار السياسية، على ما كشف المؤشّر العربي في دورته السابعة، 2019 - 2020، فذلك يدعم، بقوة، الكلام الكثير، العلمي والحقيقي، عن موتٍ يحدُث للصحافة الورقية، أو احتضارٍ تُغالبه. على أن هذه النسبة الضئيلة ليست مفاجئة، بالنظر إلى أنها لم تختلف كثيراً عمّا أفادنا به المؤشّر العربي نفسُه في دوراته السابقة، فلم تزد النسبة على 6% ولم تقلّ عن 4% الحالية والمماثلة لما أوضحته دورة 2012 – 2013. على أن المعطى الذي يستوقف المتأمّل في اتجاهات المستجيبين نحو وسائل الإعلام الأكثر استخداماً للحصول على الأخبار السياسية، أن القنوات التلفزيونية حافظت على منزلتها الأولى في هذا الخصوص، وإن ظهر أن الإقبال عليها، بشأن الحصول على الأخبار السياسية، يتناقص من سنةٍ إلى أخرى (باستثناء 2012 – 2013)، ففيما كان هذا من القنوات التلفزيونية 78% في المؤشّر العربي 2012 – 2013 فإنه يصل في النتائج المعلنة أخيراً لأحدث دورات المؤشّر إلى 48%، وقد مرّ بالنسب 57% و68% و74% و76%، وكان في دورة 2011 الأولى للمؤشّر 67%.
وإذ أكّد المؤشّر العربي المؤكّد بشأن ازدياد استخدام الإنترنت في البلاد العربية (الإستطلاع شمل 13 دولة)، فالبديهي أن الشبكة العنكبوتية إنما تشتمل على مواقع إلكترونية لوسائل إعلامية بلا حصر (ومنها تلفزات وصحف) ومنصّات إخبارية، عدا عن حسابات التواصل الإجتماعي، إلا أن ذلك لا يعني تحوّلاً في نوع المؤسسة الإعلامية التي تنشر الخبر، بل هو في الوسيلة الإعلامية في الحصول على الخبر. والزيادة الحاضرة في استخدامات المستجيبين الإنترنت يومياً أو شبه يومي من 18% في المؤشّر العربي 2012 – 2013 إلى 63% في المؤشّر العربي 2019 – 2020 تنطق بالحقيقة الأوضح عن الثقل الكبير الذي تحرزه الشبكة العنكبوتية في العادات اليومية للمواطن العربي، مع قلّة نسب المستجيبين الذين يستخدمون الإنترنت عدة مرّات في الأسبوع وعدة مرّات في الشهر لصالح زيادة الإستخدام اليومي، ومع النظر في التناقص المطّرد لأعداد الذين لا يستخدمون الإنترنت، وكانوا 55% في المؤشّر العربي 2012 – 2013، وصاروا أخيراً 26%. وفي البال أن الفرق بسيط بين مستخدمي الإنترنت في الخليج العربي (78%) والمشرق العربي (77%)، على أن التفاوت ظاهر بين هاتين النسبتين عنهما في وادي النيل (45%) وفي المغرب العربي (44%).
وفي الإسترسال في شأن الإستخدام، ثمّة الأعداد التي تطّرد للذين لديهم حسابات "فيسبوك"، خصوصاً، و"تويتر" أيضاً. ولافت أن 80% من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي يستخدمونها للحصول على أخبارٍ ومعلوماتٍ سياسية، و61% من أصحاب الحسابات يستخدمونها للتعبير عن آرائهم في أحداثٍ سياسية، وأن 47% يستخدومنها يومياً أو عدة مرات في اليوم. وفي الوسع هنا أن يقال، بكل ثقةٍ واطمئنان، إن هذه الكشوفات الإحصائية، البالغة الجوهرية والأهمية، تيسّر أسباباً غزيرةً للسّخرية من السلطات الحاكمة في البلاد العربية، عندما تنشط، بهمّةٍ ظاهرة، في ابتداع صيغ التضييق على قنوات التعبير عن الرأي، وفي البقاء على طرائق الرقابة البائسة على وسائط الإعلام والتواصل العام. ولمّا كنّا قد درسنا، قبل نحو أربعين عاماً، أن العالم قرية صغيرة، بتعبير الإيرلندي مارشال ماكلوهان، فإننا نطالع تلك المقولة متذكّرين إيحاءاتها التي استنفرت خيالاتنا في ذلك الزمان، غير أن سقوف أخيلتنا لم يكن في وُسعها أن تصل إلى تصوّر الثورة المهولة الراهنة، والتي تجعل الكون كله في هاتف صغير بين يديك.
ومن خلاصاتٍ يمكن الوصول إليها بشأن تنوّع الخيارات غير المحدودة أمام المواطن العربي في تلقّي الأخبار والمستجدّات السياسية أن التلفزيون، أو قنواته وفضائياته (كم عدد العربية؟) يبقى المصدر الأول، وذلك ما قد يعود إلى محافظة الشاشة، وإنْ على حاسوبٍ أو هاتفٍ خليوي، على جاذبيتها، فضلاً عن بقاء المواطن العربي على ثقته بهذه المحطّة أو تلك، في غضون زوابع التنافس العنيفة بين قنواتٍ وفضائياتٍ عديدة، وفي غضون التباس مساحات المصداقية وغياب المصداقية. والبادي أن الإنترنت خدم القنوات التلفزيونية في هذه. .. وأجهز على الصحافة اليومية الورقية.