المتوقع من بايدن عربياً
يُلقي فوز جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بظلاله على أكثر من ملف في المنطقة العربية. ويُتوقع أن تكون أولى ارتداداته داخل محور الثورة المضادة، بعد أن وعد بايدن، في برنامجه الانتخابي، بوقف دعم الولايات المتحدة الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن، الأمر الذي قد يربك الحسابات السعودية والإماراتية في المنطقة.
شكّل دعم دونالد ترامب محور الثورة المضادة، إبّان السنوات الأربع الفائتة، أحد العناوين الرئيسة للسياسة الأميركية في عهده. وأصبحت هذه السياسة أكثر ارتهانا للخلفية اليمينية الواضحة لترامب الذي استعاض عن المنطلقات التقليدية التي تحكم السياسة الخارجية الأميركية بنزعة شعبوية جديدة بدت، في أحيانٍ كثيرة، خروجا عن مقتضيات هذه السياسة، فلم يتورّع عن تحويل إدارته إلى حاضنة سياسية وأخلاقية للاستبداد العربي الجديد. وكانت علاقته بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الأكثر دلالة في هذا الصدد، فلم يكتف بدعمه في حربه على اليمن ومغامراته في المنطقة، بل لم يتردّد في استعمال الفيتو الرئاسي في مواجهة قرار الكونغرس إنهاء الدعم الأميركي للسعودية في هذه الحرب. ودافع عن صفقات بيع الأسلحة للسعودية بسبب ما تضخّه من موارد مالية في الاقتصاد الأميركي، متجاهلا، بذلك، معاناة اليمنيين. كما استغل نفوذه للتغطية على تورّط بن سلمان في الجريمة المروّعة التي كان ضحيتَها الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، على الرغم من أن أصواتا أميركية كثيرة تعالت مطالبةً بمعاقبة المسؤولين عن هذه الجريمة.
في الصدد ذاته، كان دالًّا ثنـاءُ ترامب على دور عبد الفتاح السيسي في ما اعتبره ''إقرارا للنظام والأمن في مصر''، وشكل ذلك شرعنةً صريحةً للانقلاب العسكري الذي أطاح حكم الرئيس المنتخب، محمد مرسي، ووقوفا ضد المد الديمقراطي الذي دشّنته ثورات الربيع العربي (2011). وقد تقاطعت مصالح الثورة المضادّة (السعودية والإمارات) والاستبداد الجديد (مصر) مع إدارة ترامب التي رأت أن التحوّلات التي شهدتها المنطقة بعد 2013 تخدم استراتيجيتها اليمينية المعادية للاستقرار في المنطقة. والتقطت الثورة المضادّة الإشارة، فاستثمرت بعض الموارد في خطبها ود إدارة ترامب، أبرزها مكافحة التنظيمات الجهادية العابرة للحدود، وشراء الأسلحة، والانخراط في تصفية القضية الفلسطينية بتسويق صفقة القرن، وتمويل الحروب الأهلية العربية، وتدمير البنى الأهلية والمجتمعية، ومناهضة القوى المدنية والديمقراطية في المنطقة.
في ضوء ذلك كله، قد يشكل فوز بايدن مقدّمة لتحوّل نسبي في السياسة الأميركية حيال المنطقة، بما لا يؤثر على التوازنات البنيوية التقليدية التي تحكم شبكة المصالح والنفوذ الأميركية الواسعة. إذ من المستبعد حدوث انقلاب راديكالي في هذه السياسة، خصوصا فيما له صلةٌ بالتحالف الاستراتيجي للولايات المتحدة مع إسرائيل، والذي سيكون ضمن أولويات الوافد الجديد إلى البيت الأبيض، كما يُفهم من تصريحات سابقة له، هذا إضافة إلى تأمين تدفق النفط الذي صار يُدرج ضمن البديهيات التي تحرص الولايات المتحدة عليها.
سيكون على بايدن إعادة التوازن إلى السياسة الأميركية، وتحريرها من نزعةٍ شعبويةٍ ساهمت في خلط مزيد من الأوراق في المنطقة. وإذا كانت مساندة إسرائيل وحماية أمنها تقعان ضمن أولوياته، فإن إعادة الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، إلى طاولة المفاوضات، وطرح حل الدولتين، والتراجع عن القرار الذي اتخذه ترامب بوقف المساعدات الأميركية للفلسطينيين، ذلك كله قد يُشكّل مشروع تصوّر بايدن للصراع خلال السنوات الأربع المقبلة. وبالنسبة للملف الإيراني، من المتوقع أن يأخذ بايدن العصا من الوسط، فينتهج سياسة الحوار المشروط إزاء طهران، عبر البحث عن إمكانية إحياء الاتفاق النووي، وإيجاد تفاهماتٍ إقليميةٍ مع السعودية والإمارات بشأن الحرب في اليمن.
مؤكّد أن هناك أولويات دولية كبرى تتصدّر أجندة الرئيس الأميركي الجديد، من قبيل الصعود الصيني المقلق، وأزمة المناخ، والشعبوية الصاعدة في أوروبا. لكن هذه الأولويات تبقى مرتبطةً، بشكل أو بآخر، بما يحدث في المنطقة العربية، بالنظر إلى دور هذه الأخيرة في تغذية التقاطبات التي تحكم النظام الدولي الذي لا تريد الولايات المتحدة التنازل عن الهيمنة عليه.