المقاومة ليست إرهاباً
مع تحفّظي على مصطلح "إرهاب"، وفقا للمفهوم الغربي الذي نُقل الى الثقافة العربية في العقود الأخيرة، إلا أنني أضطر أحيانا لاستخدامه في الكتابة عنه وعن أي أمر يتعلق به كمفهوم، لشيوعه شيوعا لا يمكن تجاهله، وخصوصا في الكتابات السريعة.
في مقابلته الثانية مع الإعلامي العالمي بيرس مورغان، وافق الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف على وصف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأنها منظمة إرهابية. وهو الوصف الذي حاول مورغان أن يضعه في فم ضيفه في أثناء النقاش عن غزّة وما يجري فيها حاليا، ففوجئ، كما يبدو، بأن يوسف قد وافق!
قلّل كثيرون من شأن كلمة "نعم" التي قالها باسم يوسف، ردّا على مقدّم البرنامج الذي سأله إن كان يوافق على اعتبار "حماس" إرهابية، لأن باسم أبلى بلاء حسنا في المقابلة التي سبقتها، ولجأ إلى استخدام وسائل كثيرة للتأكيد على عدالة القضية الفلسطينية عموما، وعلى عدالتها في غزّة تحديدا، وهذا صحيح جدا، فهو، في المقابلة الأولى، كان قد تألّق كثيرا في الردّ على الأسئلة الموجّهة إليه، ونجح في الدفاع لا عن الفلسطينيين أفرادا وحسب، بل عن حقّهم أيضا في الدفاع عن أنفسهم مقابل ما يقوم به الاحتلال الصهيوني من مضايقاتٍ تصل إلى حد القتل العشوائي تحت ظلال الاحتلال نفسه. لكن هذا كله تبخّر في الحلقة الثانية، أو في تلك الإجابة الموجزة التي قالها باسم يوسف بسرعة شديدة، مغادرا نقطة السؤال، وكأنها حقيقة لا ينبغي الوقوف عندها. وهو ما يعني أنه قرّر أن المقاومة إرهاب. وهذا يعني، ببساطة، أن على العالم كله، وليس فقط الصهاينة مقاومة هذه المقاومة (ويا للمفارقة الكامنة في معنى المفردة). أي أنه أعطى الصهاينة، وهو المدافع الشرس، كما يُفترض، عن الفلسطينيين، حقّ الدفاع عن أنفسهم جرّاء ما تقوم به المقاومة الفلسطينية تجاههم لأنها إرهاب.
ما قيمة بقية ما قاله باسم يوسف بعدما قرّر ذلك؟ بل لعلي لا أبالغ إن قلت إن كل ما قاله لصالح القضية الفسطينية، قبل تلك الإجابة الصغيرة العميقة الجارحة الظالمة وبعدها، مجرّد تمهيد لإعطاء إجابته تلك صفة الموضوعية. فها هو من يدافع عن الفلسطينيين المنتمي لهم، المرتبط بزوجةٍ منهم، المعجب بزيتِهم وزعترهم إلى درجة أنه أحضرهما معه الى الاستديو للتدليل على عراقة الفلسطينيين وكل ما يتعلق بهم في الأرض، ها هو يقرّر أن مقاومتهم إرهاب!
لقد تغافل باسم في تلك الجزئية الصغيرة في حجممها، والكبيرة جدا في وقعها وأثرها، كل ما يمكننا أن ندافع به عن فلسطين من خلال المقاومة بشتى أشكالها، فإذا كانت المقاومة المتحقّقة حاليا على أرض غزّة على يد "حماس" إرهابا، فهذا يعني أن كل مقاومة فلسطينية كذلك. رغم أن أغلبية حكومات العالم لا ترى ذلك. ولو عُدنا إلى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن لاكتشفنا أنها، رغم حق النقض الأميركي المستخدم دائما ضد قضية فلسطين ولصالح الكيان الصهيوني، تؤكّد حقّ الشعب الفلسطيني، وكل شعب محتل في المقاومة والكفاح المسلح. وهذا يعني أن المقاومة المسلحة حقٌّ يكفله المجتمع الدولي، ممثلا بهيئة الأمم المتحدة للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، ومنها بالتأكيد غزّة. وبالتالي، يعدّ النظر إلى المقاومة التي تؤدّيها "حماس" في غزّة باعتبارها إرهابا، وأن يصدُر ذلك التصنيف ممن ينظر إليه الآخرون صديقا حقيقيا للقضية الفلسطينية، يعدّ تبنّيا غير مباشر للسردية الصهيونية تجاه المقاومة، ويهيئ، بشكل غير مباشر، أيضا لأي رد فعل، من قصفٍ وقتلٍ واعتقالٍ وتهجيرٍ وإبادة، للصهاينة تجاه أي مقاومةٍ في غزّة. وهنا خطورة الكلمة، ولو كانت مجرّد مفردة واحدة فقط!