النظام المصري في حرب غزّة
كانت القضية الفلسطينية، ولم تزل، ورقة مساومة في يد أنظمة الاستبداد العربي، التي لم تخدم هذه القضية قدر ما استخدمتها.. مساومة الداخل لدى أنظمة الشعارات الممانعة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت القضيّة، لا صوت الحريات، التي تتعارض بالضرورة مع دعم القضية وتخدم الأجندات الغربية والمؤامرات الخارجية، ولا صوت الديمقراطية وتداول السلطة، حيث لا نظام يحمي القضية سوى النظام القائم، الذي لا يعارضه أو ينافسه سوى عملاء إسرائيل، ولا صوت الخدمات، والرفاهية، ولا شيء، سوى النظام الذي يعيش للقضية، أو بالأحرى يعيش بها وعليها. أما الأنظمة "المعتدلة"، وأبرزها مصر، فكانت تستخدم القضية، وموقف الداخل منها، في مساومة الخارج وضغوطه، فإذا زايد الغربيون على النظام المصري في ملفات الديمقراطية وتداول السلطة كانت تظهر فلسطين بوصفها علّة بقاء النظام مدى الحياة، فلو فتح النظام المجال العام فأول ما سيطالب به المصريون هو تحرير الأرض المحتلة، وحده الاستبداد من يحمي دولة إسرائيل.
والسؤال: ماذا يفعل الحكم في مصر في حرب غزّة وبها؟ لا يفتح معبر رفح، لا يسمح بمرور المساعدات من دون "السماح" الإسرائيلي، يبدو الأمر كما لو أنه لا سيادة مصرية على معبر مصري، وهو ما اجتهدت شاشات النظام المصري وكتائبه الإلكترونية في تبريره في الأيام الأولى من الحرب بأن اتفاقية كامب ديفيد، التي لا يعلم أغلب المصريين شيئا عن نصوصها، تفرض على النظام المصري التنسيق مع الجانب الإسرائيلي قبل فتح معبر رفح، وبعد فشل هذا التبرير بدأت مزايدات الكتائب الإلكترونية على أصحاب السؤال في الداخل المصري بأنهم "لا يحبّون أوطانهم مثلما يحبّون أوطان الجيران"، ويريدون توريط مصر في حرب في ظروف اقتصادية طاحنة، وهو ما لم يطلبه أي أحد في مصر أو غيرها. وأجابت الكتائب الإلكترونية عن سؤال معبر رفح بسؤال: لماذا تزايدون على مصر وحدها؟ وما الذي تفعله سورية.. لبنان.. الأردن؟ بل ما الذي تفعله تركيا، ورجب طيب أردوغان.. وساهم خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، في تعزيز هذه "المشاغبات"، ومنحها أرضية. الجميع متفرّج، فلماذا على مصر وحدها الفعل؟
ما يقوله النظام منذ اللحظة الأولى أنه ضد تهجير سكان قطاع غزّة إلى شبه جزيرة سيناء، لكنه يوافق من حيث المبدأ على تهجيرهم من أرضهم، ويقترح أن يكون التهجير "في صحراء النقب لحين انتهاء إسرائيل من أهدافها المعلنة في تصفية الجماعات الإسلامية المسلحة، ثم يمكنها بعد ذلك أن تعيد الفلسطينيين إلى غزّة، إن شاءت"، وهو الاقتراح الذي احتفى به الإعلام الإسرائيلي في الأيام الماضية، وأذاعه عشرات المرّات بعد ترجمته إلى العبرية، فإذا أضفنا إلى ذلك إصرار النظام على إغلاق معبر رفح، وتبريره ذلك باتفاقيات كامب ديفيد وفيلادلفيا، التي لا تحرمه سيادته على المعبر، وانتظاره "الحصول على موافقة إسرائيل" قبل مرور زجاجة مياه واحدة إلى القطاع، وتمريره شاحنات المساعدة من معبرَي كرم أبو سالم والعوجة، وهما معبران مصريان إسرائيليان، من دون محاولة واحدة لاستخدام المعبر المصري الفلسطيني الوحيد، ناهيك باستمرار حصار النظام المصري ردود فعل الداخل المصري، ومنعه المظاهرات المتضامنة مع أهل غزّة، والتزامه في خطاباته الرسمية لغة هادئة ومحايدة، وإداناته الدبلوماسية الباردة جرائم حرب ومجازر وحشية مثل ضرب مستشفيات ومدارس فلسطينية، فإننا لسنا أمام متفرّج أو مُكره يخشى الحرب في ظروف اقتصادية طاحنة.