انتظارات المغاربة من حكومة أخنوش
بات في حكم المؤكد أن الحكومة المغربية المقبلة ستتألف من أحزاب التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، وهي التي تصدّرت نتائج الانتخابات التشريعية أخيرا. وستتمتع هذه الحكومة بأغلبية برلمانية مريحة، تسمح لها بتنفيذ الوعود التي قدمتها خلال الحملة الانتخابية. وقد تعهدت الأحزاب الثلاثة بإعطاء الأولوية للملف الاجتماعي الذي ظل خارج حسابات الإسلاميين الذين قادوا الحكومة إبّان الولايتين المنصرمتين، إذْ التزمت بحماية الطبقة الوسطى وتوسيع قاعدتها، وتوفير فرص عمل جديدة، وتعميم التأمين الصحي والحقِّ في التقاعد، وإحداث ''مدخول الكرامة'' لفائدة المسنين، وتشجيع المقاولات (المشاريع) المتوسطة والصغرى، فضلا عن بلورة سياسة أكثر نجاعةً في قطاع التعليم، تنصبّ بالأساس على الزيادة في أجور المدرّسين وإلغاء التوظيف بالتعاقد.
وعلى الرغم من أن هذه الوعود تندرج ضمن سياق الدعاية الانتخابية التي تتَّسم، عادةً، بارتفاع سقفها في مسعى للحصول على أصوات الناخبين، إلا أن التنصّل منها، وهو أمر وارد، سيُفاقم من حدّة الاحتقان الاجتماعي، ذلك أن التبعات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة ستُلقي بظلالها على البرنامج الحكومي، هذا فضلا عن مقتضيات التوازن المالي الذي لطالما كان هاجسا مركزيا للحكومات التي تعاقبت منذ انطلاق مسلسل التقويم الهيكلي (1983)، ما يعني أن حكومةَ عزيز أخنوش مطالبةٌ بمغالبة مشكلة التمويل التي يُتوقّع أن تصطدم بها السياسات العمومية ذات الصلة، من خلال تنويع مصادر التمويل، خصوصا أن الأحزاب الثلاثة باتت تتقاسم رئاسة الجهات (ثلاثة لكل حزب).
لا تتأتى مركزية الملف الاجتماعي في المغرب، فقط، من أنه محط رهانات سياسية متعارضة، بقدر ما تتأتّى، أيضا، من أنه وسيلة للتحكّم في قاعدة الطبقة الوسطى ومواجهة تطلعاتها الاجتماعية والسياسية.
ومن ثمَّ، على حكومة أخنوش إيجادَ التوازن في ما تنوي سنَّه من سياسات في هذا الصدد، فمن ناحية، سيكون عليها تطويق تداعيات الجائحة على شرائح وفئات اجتماعية واسعة تضرّرت بفعل تدابير الإغلاق والحظر التي تبنّتها الحكومة المنتهية ولايتها. ومن ناحية أخرى، تلزمُها معالجة ما أخفقت فيه حكومتا عبد الإله بن كيران وسعد الدين العثماني، ولا سيما على صعيد التخفيف من الاحتقان الاجتماعي الذي كان سببا في اندلاع احتجاجات الريف وجرادة وزاكورة والفْنيدق. صحيح أن حدّة هذه الاحتجاجات خفتت، إلا أن معظم أسبابها ما زالت قائمة. ومن ذلك ارتفاع معدل البطالة (12.8% حسب المندوبية السامية للتخطيط)، وتدهور الطبقة الوسطى، وتردّي النظام الصحي، واستفحال أزمة منظومة التربية والتكوين، واستمرار التفاوتات الطبقية والاجتماعية والمجالية، ما يُعدُّ حجر عثرةٍ أمام إفراز المشاريع الاقتصادية الكبرى التي تشرف عليها الدولة نتائجها الاجتماعية المنشودة، خصوصا في القرى والمناطق البعيدة عن الحواضر الكبرى، هذا إضافة إلى أن النموذج التنموي الجديد، على أهميته الاقتصادية، لن يعني شيئا بالنسبة للمغاربة غير تحسين أوضاعهم المعيشية والاجتماعية.
في الصدد ذاته، تدرك حكومة أخنوش الضعف الذي أصبحت عليه النقابات التقليدية، بعدما فقدت قدرتها على الـتأثير في الملف الاجتماعي، ما يعني أن تنصلّها من الوعود التي قدّمتها أحزابُها سيجعلها في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الفاعلين الاجتماعيين الجدد، وفي مقدمتهم التنسيقيات الفئوية، التي لا تعنيها الحسابات السياسية لهذه النقابات، بقدر ما تعنيها الاستجابة لمطالبها.
في المحصلة، تبدو حكومة أخنوش مطالبةً بحصر التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، ووضع خطةٍ محكمةٍ لإنعاش الاقتصاد، وتحقيق معدلِ نموٍّ في حدود 5%، بما يُساهم في توسيع قاعدة الاستثمار العمومي، وحلِّ معضلة البطالة ومحاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي، وتحسين الخدمات الصحية، والنهوض بقطاع التعليم، وتقليص التفاوتات المجالية بين الجهات، بما ينسجم مع مقاصد الجهوية المتقدّمة. ولعل تحقيق ذلك، أو بعضه، يتطلّب إدارة التناقضات التي يُتوقع أن تفرزها محاولةُ التوفيق بين وعود أحزاب الأغلبية الحكومية وارتباطِها الموضوعي بالأعيان والتكنوقراط ودوائر الأعمال.