انقلاب النيجر ... لا مكان للحيرة

02 اغسطس 2023

رئيس النيجر محمد بازوم، (يسار) ورئيس تشاد ديبي بعد الانقلاب في نيامي (31/7/2023/الأناضول)

+ الخط -

صار الأمر مكرّراً حدّ الملل: ما أن يصدر البيان رقم واحد لانقلاب عسكري في أفريقيا، حيث لفرنسا نفوذ، حتى تشاهد الأعلام الروسية ترفرف، والدعوات لفلاديمير بوتين بطول العمر وقصائد الغزل بمرتزقة "فاغنر" تتردد على لسان جمهور الانقلاب أولاً، وجنرالاته في مرحلة لاحقة. وبين دعاء وآخر، مجموعة خرافات عن المنقذ الروسي الذي سيحلّ كل المشاكل يرويها عن قناعة أو كأي عمل مدفوع، جمْع من الصحافيين و"المثقفين". حصل ذلك في مالي (2020) ثم في غينيا (2021) فبوركينا فاسو (2022)، وها هو يحصل في المنطقة نفسها من الساحل ــ غرب أفريقيا، في النيجر، بمعدّل انقلاب واحد كل سنة. في مالي، الوصفة كانت "كما يقول الكتاب": انتفاضة شعبية ضد فشل الجيش الوطني في محاربة الإرهاب والفساد والفقر، سرعان ما حوّله الجيش شيكاً في رصيده من الحكم. في غينيا أيضاً، سيناريو تقليدي: صراع وانقسام سياسيان بسبب رغبة الرئيس ألفا كوندي في التجديد لنفسه لولاية ثالثة، فتطوع أصحاب البدلات المرقطة لـ"المهمة الإنقاذية". أما في الثالثة، بوركينا فاسو، فأتى الانقلاب بعد هجوم دامٍ ارتكبته جماعات "جهادية"، فانبرى العسكر كالعادة، لا ضد الإرهابيين، بل ضد السلطة التي صاروها لاحقاً. في النيجر لا شيء من هذا ولا ذاك. محمد بازوم هو أول رئيس يحكم هذا البلد بموجب انتخابات منذ استقلال 1960، وآخر رئيس في المنطقة ملتزم بمحاربة التنظيمات الجهادية. النيجر من أفقر بلدان العالم وأكثرها فشلاً وفساداً، لكن هذا لا علاقة له بنوايا العسكر، ذلك أن قائد الحرس الرئاسي، عبد الرحمن شياني، وهو قائد الانقلاب، برّر فعلته بـ"تدهور الوضع الأمني" و"الحاكمية السيئة لسلطة بازوم"، وما ذلك سوى إدانة من شياني لنفسه، فهو منذ تسعينيات القرن الماضي، الرجل القوي الثابت في السلطة، وهو أحد أهم المسؤولين عن "حرب النيجر ضد الإرهاب".

القليل الذي نعرفه عن هذا البلد كفيل بشرح جوانب من الصورة: شياني يرأس مجموعة نخبوية جداً في الجيش (الحرس الرئاسي) لا تضم أكثر من 700 عنصر مجهزين ومدربين أفضل تجهيز وخير تدريب، على حساب جيش ضعيف، تنبع مشروعية قياداته من المناطق التي يشرفون عليها، لا من السلطة السياسية التي تعيّنهم من العاصمة نيامي. كذلك فإنّ شياني هو الرجل القوي منذ عهد الرئيس محمد يوسفو (2011 - 2021). أبقى عليه بازوم في منصبه عند انتخابه رئيساً في 2021 وظلّ يعتبره الأكثر وفاءً له، وقد أقنعه الجنرال بأنه أفشل مرّة محاولة انقلاب ضده، لتزداد ثقة الرئيس في قائد حرسه. لكن فور اكتمال الانقلاب ما بين فجر الأربعاء واليوم التالي، تبيّن أن كل شيء كان مدبراً منذ فترة طويلة، بدليل أن قادة الجيش والشرطة والاستخبارات والأجهزة الأمنية الأخرى، ومجموعهم تسعة، أيدوه فوراً.

ولأن الجغرافيا قلّما تخطئ، من المفيد التذكير بأن النيجر يحدّها غرباً بلدان اثنان حصل فيهما انقلابان عسكريان نالا تأييداً ودعماً روسيين، أكان من الكرملين أو من مرتزقة فاغنر (مالي وبوركينا فاسو). أما شمالاً، فيرابط الفاغنريون في ليبيا ورفاقهم في السلاح موجودون ما وراء تشاد، في السودان، وجنوباً في جمهورية أفريقيا الوسطى، وفي أقصى الغرب في كل من غينيا وغينيا بيساو. تحتوي النيجر على 7% من المخزون العالمي لليورانيوم، وهذا مصدر ثروتها الرئيسية ومادة مطلوبة للغاية بالنسبة لمرتزقة فاغنر. لفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا قوات عسكرية في هذا البلد، لكن روسيا في المقابل هي المصدر الأول لسلاح جيش النيجر وذخيرته.

هل هذا يعني أن روسيا منخرطة في الانقلاب؟ ليس فعلاً، لكن الكرملين، في استراتيجيته الأفريقية، متطوّع لرعاية أي تخريب يحصل في مناطق يخطّط لمد نفوذه فيها، والانقلاب هو تخريب في تعريفه. تعارض فرنسا والغرب الانقلابات حتماً، فيرتمي الجنرالات في الأحضان الروسية فوراً، مشهد مكرّر آخر.

لكن كي لا تزداد الحيرة حيال الموقع الروسي الحقيقي من الحاصل في النيجر اليوم، فقد أشاد رئيس "فاغنر" يفغيني بريغوجين بالانقلاب، منذ يوم الخميس، ووصفه بأنه "نبأ سارّ"، وعرض خدمات مرتزقته لإتمام مهام ديمقراطية الانقلاب.