بؤس السياسة في "التوجّه شرقاً"

13 سبتمبر 2023
+ الخط -

بيّنت الأوراق الأكاديمية التي عُرضت في مؤتمر وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يومي 6 و7 شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، تهافت أطروحة "التوجّه شرقاً" التي ترفع لواءها إدارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وأنها، بعيداً عن الدعاية والشعاراتية، ليست أكثر من بديل باهت، وغير عملي، لفشل سياسة التقارب مع الغرب التي اتبعتها إدارة الرئيس السابق حسن روحاني، ووزير خارجيته جواد ظريف.

لا نقاش في أن قرار إيران التوجّه شرقاً، والالتصاق بروسيا والصين، كانت نابعة عن مشاعر غضب وإحباط من إشاحة الغرب وجهه بعيداً عنها خلال السنوات القليلة الماضية، وإعادة فرض إدارة ترامب عقوبات عليها بعد انسحابها من الاتفاق النووي، وعجز أوروبا عن فعل شيءٍ إزاء ذلك، رغم وعودها بإنشاء آلية لتجاوز العقوبات الأميركية. لكن متى كانت السياسة والقرارات الاستراتيجية للدولة تُبنى على الغضب، أو تأتي ردّ فعل على تجاهل الآخرين! وحتى عندما تكون كذلك، تحتاج إلى أن تكون التوجّهات فيها متبادلة، أي أن تتقاسم الصين وروسيا مع إيران الرغبة في تطوير العلاقات لتحقيق مصالح مشتركة، وهو أمر يشكّك فيه كثيرون.

إذا نظرنا، مثلاً، إلى حجم الاستثمارات الصينية في إيران، نجد أن تحوّلاً مهمّاً لم يطرأ عليها بعد التوقيع على اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين البلدين في مارس/ آذار 2021، وتضمّنت تعهّدات صينية بضخ 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني، أكثر من نصفها في قطاع الطاقة. ويعود السبب في ذلك، على الأرجح، إلى خوف الشركات الصينية من خرق العقوبات الأميركية وعدم رغبة الحكومة الصينية في إحداث إشكال إضافي في العلاقة مع واشنطن. في المقابل، لوحظ ارتفاع كبير في حجم الاستثمارات الصينية في دول الخليج العربية وحتى في العراق، تركّز أكثرها في قطاع الطاقة. فوق ذلك، انخفض حجم التبادل التجاري بين إيران والصين، بدل أن يزيد، بعد أن أطلقت إيران سياسة "التوجّه شرقاً" (من 40 مليار دولار عام 2019 إلى 16 مليار دولار عام 2022). ومنذ بداية الحرب على أوكرانيا، وفرض دول الغرب عقوباتٍ على روسيا، صارت الصين تشتري نفطاً روسياً أكثر من النفط الإيراني، بسبب نسب الحسم الكبرى التي تعطيها روسيا. ويبدو واضحاً أن الصين تولي اهتماما أكبر بعلاقاتها التجارية مع دول الخليج العربية والتي بلغت العام الماضي أكثر من مئتي مليار دولار، أي نحو 15 ضعف المبادلات التجارية مع إيران. وقد لاحظ مراقبون حجم الصدمة التي تعرضت لها إيران عندما وافقت الصين على بيان مشترك في أعقاب القمة الصينية الخليجية في الرياض في ديسمبر/ كانون الأول 2022 يتبنّى الموقف الخليجي في النزاع على جزر الإمارات الثلاث التي ضمّتها إيران عام 1971. وقد حدا ذلك بإيران إلى إصدار بيان غير مألوف ينتقد الصين على موقفها هذا، وإثارته خلال زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي بكين في فبراير/ شباط الماضي.

أما روسيا، ورغم أنها أخذت تبدي اهتماماً أكبر في تطوير علاقتها بإيران بعد حرب أوكرانيا، لحاجتها إلى حلفاء في ضوء عزلتها، إلا أنها لم تقدّم لها شيئاً ذا قيمة. وفي ميزان الربح والخسارة، تبدو روسيا مستفيدة أكثر من العلاقة مع إيران، في حين أن الأخيرة تدفع ثمن اقترابها من روسيا مزيداً من العقوبات الغربية. ويأخذ إيرانيون كثيرون على روسيا أنها زوّدت تركيا (العضو في حلف الناتو، وخصم روسيا في عدّة ملفّات إقليمية) بمنظومة صواريخ أس 400 من دون تردّد كبير، في حين أنها ماطلت سنواتٍ في تسليم إيران منظومة صواريخ إس 300 الأقدم، علماً أن آخرين يشكّكون في أن إيران استلمتها أصلاً، ولا يتوقع فوق ذلك أن تقدّم روسيا لإيران أي أسلحة إضافية في ظل حاجتها الماسّة إليها في ورطتها الأوكرانية.

واقع الحال أنه فيما ترتمي إيران في أحضان روسيا والصين، تستخدمها هاتان الدولتان ورقة في وجه الغرب. ومهما فعلت إيران لإعطاء انطباع مخالف لن تستطيع حجب هذه الحقيقة، وفوقها حقيقة أن البروباغندا، مهما بلغت درجة إتقانها، لا يمكن أن تكون بديلاً للسياسة، وأن الشطارة في الأولى ليست بديلة عن الفشل في الثانية.

AA8F4D7D-04C2-4B96-A100-C49FC89BAEBA
مروان قبلان

كاتب وباحث سوري