بداية أميركية غير مشجعة
عقد وزير خارجية واشنطن الجديد، أنتوني بلينكن، مؤتمره الصحافي الأول، من دون أن يتلقى أي سؤال من الصحافيين عن القضية السورية، أو يتطرّق هو إليها. في المقابل، ركز الوزير جزءا مهما من حديثه على اليمن، وأكد أنه أولوية بالنسبة لبلاده، وربط بين تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية وارتدادات التصنيف على أحوال معيشة اليمنيين، وقال إن واشنطن ستعيد النظر فيه، إن كان تأثيره سلبيا على الشعب اليمني الذي "يعاني من أسوأ أزمة في العالم". .. هذه الإطلالة الأولى لوزير خارجية إدارة جو بايدن "بداية غير مشجعة" في نظري، لأسباب عديدة، منها:
أولا، إن من سبّب الأزمة التي يعيشها الشعب اليمني هم الحوثيون: الجهة التي استولت على السلطة بانقلاب عسكري أسقط حكومة البلاد الشرعية، بأمر من إيران ودعمها المباشر. وها هو وزير خارجية أميركا يعلن ما قد يكون مكافأة لها على ذلك، ويعد بإعادة النظر في تصنيفها جهة إرهابية، والسبب: مساعدة الشعب اليمني على تجاوز المحنة التي ترتّبت على حرب إلحاق اليمن بإيران، فأي مساعدةٍ يمكن أن تصل إلى الشعب، في حال تم فعلا رد الاعتبار للجهة التي أنتجتها عامدة متعمّدة، بدليل حصار مدينة تعز، المستمر منذ سنوات، وتكرار قصف مرافقها الحيوية، كالمدارس والمشافي، واستهداف سكانها بين فينةٍ وأخرى، وتجويعهم بمنع وصول الإمدادات الغذائية والطبية إليهم. هل تعتزم أميركا مكافأة جهةٍ تجوّع اليمنيين وتقتلهم وتحاصرهم برا وبحرا، بذريعة كاذبة، هي رفع التجويع والقتل عنهم؟ ألا يمثل هذا دعما للإرهاب وتشجيعا عليه، في حين أن المطلوب مواجهته، ورفع يده عن الشعب اليمني.
ثانيا، يرتبط الحوثيون بإيران التي تزوّدهم بجميع الأسلحة الضرورية لشن الحرب في البر والبحر والجو، ويسهم حرسها الثوري إسهاما مباشرا في حربهم، ويوزّع صواريخه البالستية الإيرانية الصنع، شمالا وجنوبا وشرقا، ويستهدف من وصفه بلينكن بـ"الحليف السعودي"، بينما يضع الحوثيون أنفسهم في خدمة توسّع طهران وحرسها في الوطن العربي وإركاع شعوبه، فهل تعتزم واشنطن مكافأتها هي أيضا على جهودها، كما كافأتها في أفغانستان والعراق، وتكافئها في سورية ولبنان، بموافقتها على خطتها لتصدير ثورتها التي دمّرت المشرق العربي، وامتناعها عن مواجهتها بما تمتلكه من قدراتٍ متفوقة، لو أمدّ السوريون ببعضها لما كان حرس إيران الثوري يسرح ويمرح في مئات المواقع السورية.
ثالثا، دأبت واشنطن على شن غاراتٍ مؤثرة ضد تنظيم القاعدة في اليمن، مع أن خطره لا يعدو أن يكون مجرّد جزء محدود من خطر الحوثيين، العابر لليمن والإقليم، وينفذ خطة طهران للإمساك بطرق التجارة الدولية في الخليج العربي، وبحر العرب، والمحيط الهندي، وقناة السويس، والبحر الأبيض المتوسط. الغريب أن واشنطن لم تفكّر إطلاقا بالتصدّي لهذا الخطر، على الرغم من انخراطها العسكري في اليمن، وما باعته من أسلحةٍ وذخائر للسعورية تعود عليها بأرباح ضخمة، وتديم حرب اليمن التي يبدو أن استمرارها يتطلب وجود علاقات عادية لها مع الحوثيين، وليس تصنيفهم إرهابيين، بما أنه يلزمها بشنّ حربٍ عليهم، وقطع إمدادات إيران العسكرية إليهم، ومساعدة السعودية على هزيمتهم، وتوحيد مناطق السلطة الشرعية، المتهالكة تماما، وتطبيع علاقات أطرافها المتناحرة/ المصطرعة، وإبعاد خطر الهلاك عن مواطنيها، بالسلاح الذي يتقاتل في مناطقها، وبالجوع، وإمداد مواطنيها، أخيرا، بما يحتاجون إليه من غذاء ودواء، وصولا إلى إنهاء ما يتعرّضون له من نزاعات أهلية ، تتفرّع وتتشعب إلى حروبٍ لا نهاية لها، ولا جدوى منها.
بداية غير مشجعة، وأكاد أقول إنها مخيبة تماما. ولولا بقية من صبر على المكاره، وأملٍ في أن تتذكر إدارة بايدن أن مأساة الشعب السوري أفظع من أي مأساةٍ أخرى يعرفها العالم، لصرخت بغضب: لا تجعلونا نتحسّر على أيام ترامب المعتوه.