بمناسبة خريطة "أراب أيدول"
خطأ تقني غير مقصود، وقعت فيه "إم بي سي"، في حلقة السبت الماضي من برنامج منافسات المواهب الغنائية "أراب أيدول"، لمّا ظهرت فيها خريطة تسمّي فلسطين إسرائيل. تداركه المسؤولون عن الفضائية، وأوضحوا أنهم يحصلون على الخرائط من مصادر مختلفة، وتم استخدام واحدةٍ غير مصححة، قبل إزالتها في إعادة الحلقة. ... الحادثة شديدة العادية، غير أنها تُحيل إلى ما هو بالغ الجوهرية، إذ تذكّر بأن الصراع على نزع اسم فلسطين من فلسطين ما زال استراتيجياً، وليست الخرائط التي تستوردها المحطة السعودية دليلاً وحيداً عليه، فمن شواهده الوفيرة أن فلسطين لمّا فازت بجائزة الكرة الذهبية في هوليوود في عام 2006، عن فيلم هاني أبو أسعد "الجنة الآن"، أثارت لوبياتٌ إسرائيلية زوبعةً ضد اعتباره ينتسب إلى فلسطين، فلا يجوز، بحسبها، ذلك، "فليس من دولةٍ اسمها فلسطين، ولا يحق للقائمين على الجائزة تقرير الحدود والاعتراف بكيانات سياسية"، بحسب تخاريفهم. وعملت ضغوط إسرائيلية على ألا تحسب أكاديمية الفنون الأميركية الفيلم ممثلاً لفلسطين، بل للسلطة الفلسطينية، عندما تنافس على "الأوسكار".
والشاهد في مسألة "الجنة الآن" تلك أن الخريطة التي تورّط فيها "أراب أيدول" تؤكد أنَّ جهداً ليس هيناً، تدأب عليه إسرائيل واللوبيات الصهيونية، لإشاحة أبصار العالم عن فلسطينية فلسطين. ويحدث أن تنجح في تزوير حقائق مؤكدة، من قبيل أنه فيما استعادت فلسطين عضويتها في الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" في 1998، يورد السجل الرسمي له أن إسرائيل لعبت في تصفيات كأس العالم في 1934. والمعلوم أن العصابات الصهيونية، في حينه، لم تكن قد تمكّنت من صناعة دولة إسرائيل، وفلسطين هي التي شاركت في ذلك الموسم الرياضي العالمي. ولا تزيّد في القول، هنا، إن الصراع على اسم فلسطين هو البعد العميق لمجمل الاشتباك الطويل مع المحتل، وتوهم بيل كلينتون أنه سينهيه في "كامب ديفيد"، ولما فشل، جادت قريحته بأن صعوبة حل قضية الفلسطينيين تكمن في أن اليهود عندما قدموا إلى الأرض التي وعدهم بها الرب فوجئوا بأن ناساً يقطنون فيها (!).
مضحكةٌ سذاجة رئيس أميركا الأسبق تلك، غير أنه لا مطرح للضحك عند التحديق في الهوية الفلسطينية الجريحة، والتي تريدها إسرائيل، استراتيجياً، ملتبسةً ومشوشة، لا تتمتع بوضوحها فلسطينيةً وكفى. ومن وقائع دالة على صراع حاد بين هذا الوضوح واستهدافه إسرائيلياً أن نادي بلدة سخنين المحتلة في 1948 فاز، قبل عشرة أعوام، بكأس إسرائيل في كرة القدم، غير أن أهالي البلدة ظلوا يرفعون العلم الفلسطيني في احتفالاتهم بالفوز، ومن مفارقاتٍ بالغة الأسى أن النادي تلقى برقيتي تهنئة من ياسر عرفات وإرييل شارون. وفيما كانت صحفٌ عبرية تصف لاعباً في النادي بأنه "بطل إسرائيل"، لتحقيقه نجاحاتٍ لمنتخبها لكرة القدم، وكان من لاعبيه، إلا أنه ظل يمتنع عن ترديد "النشيد الوطني" الإسرائيلي مع بدء المباريات.
إنه رفضُ "عملية الأسرلة" التي طالما شدد عزمي بشارة على خطورتها على الهوية العربية لفلسطينيي الداخل، ولا سيما في كتابه اللافت "العرب في إسرائيل، رؤية من الداخل"، وأكد رغبة أهل التيار العروبي، هناك، في التواصل مع الدول العربية كعرب، لا كعرب إسرائيليين. وإذ يشارك ثلاثة شبان من أولئك الفلسطينيين في منافسات "أراب أيدول" الجديدة، أول مرة، يكون طيّباً لو يشير ناس البرنامج إلى هذا. وفي البال، أن "إم بي سي" كانت ستنجو من خطأ الخريطة المستنكرة، لو أن هيرتزل حظي بالأرجنتين التي تحمس لقيام دولة إسرائيل فيها، أو لو حصل على الكونغو وموزمبيق، كما أراد لغرضه ذاك. ... تخيّلوا، لو أن إسرائيل قامت في موزمبيق. إذن، لما صارت واقعة "أراب أيدول" تلك، ولا انكتبت هذه المقالة، ولكانت الأمة العربية في حال آخر.