تجربة فيولا ديفيس
استضافت أوبرا وينفري، في إبريل/ نيسان 2022، الممثلة فيولا ديفيس على شبكة نتفليكس. إنه من نوع الحوارات التي لا تموت. خصّص الجزء الرئيسي من المقابلة للحديث عن كتابها "Finding Me: A Memoir"، الذي تستعرض فيه سيرتها منذ الطفولة حتى السنوات الأخيرة. الحوار في حد ذاته متقن يقودك إلى متابعته حتى النهاية. وبقدر ما كانت أسئلة وينفري محدّدة وثاقبة وعميقة بقدر ما كانت أجوبة ديفيس تسرُد حكاية تستحقّ الإنصات إليها والاستفادة منها.
بالنسبة لمشاهدين كثيرين، ديفيس ممثلة قديرة عرفت بأدوار مميزة، بينها دورها في مسلسل "كيف تفلت بجريمة قتل" (How to Get Away With Murder)، ونالت جوائز مرموقة حتى استحقّت لقب EGOT (نالت جوائز إيمي، غرامي، وأوسكار، وتون). وبالنسبة لآخرين قد لا يعجبون بأدوارها أو يرونها عادية، لكن هناك الكثير خلف صورتها التي تظهر أمام الشاشة.
وإذا كانت المقابلة تعطي لمحات سريعة عن نشأتها وطفولتها وتطور أدوارها، فإنها تترك ذلك الأثر الذي يحفز على قراءة كتابها، وتلك حكاية أخرى. ... على قدر سلاسته بصفحاته التي تتجاوز 300 على قدر صعوبة (وقساوة) التفاصيل التي يرويها. يمكن الخروج بخلاصة واضحة عن مدى عمق التجربة التي خاضتها، سواء على صعيد الفقر أو العنصرية أو التنمّر منذ طفولتها حتى سنواتٍ لاحقة كثيرة قبل أن تتبدّل حياتها تباعاً.
تروي ديفيس حكاية فقر لا تطويه محاولات النسيان ولا أي ثراء مهما بلغ حجمه. إنه ذلك الفقر الذي يحفر عميقاً في الذاكرة ويستوطنها. إنه الفقر الذي يصبح فيه الاستحمام بماء نظيف أو النوم من دون فئران تتقافز عليك، أو الوصول إلى مرحلة الإحساس بالشبع حلماً بعيد المنال.
لا تتردّد ديفيس في وصف تفاصيل أخرى قاسية، من قبيل كيف كانت "تفوح منها رائحة البول طوال الوقت". ولعل عبارتها التي ترد في الكتاب "We were po. That's a level lower than poor"، تلخّص طبيعة الفقر الذي كانت تعيش في ظله مع عائلتها سنوات طويلة. وهو الذي قادها إلى القول إن "الفقراء غير مرئيين. أعرف ذلك لأني كنتُ واحدةً منهم".
لكن كل المصاعب التي واجهتها لم تكن عقبة في طريق حلمها بالتمثيل، وهي التي كتبت في كتابها إنها كانت تلوذ مع شقيقتها بالتخيّلات مهرباً من واقعهما، خصوصاً عندما تشتد المصاعب عليهما، بما في ذلك لحظات العنف القاسية التي كانت تواجهها جرّاء تعنيف والدها أمها وخوفها الدائم من أنه سيضربها مرّة حتى الموت. وإنْ كان الخروج من الفقر استغرق عقوداً فإن حجز مقعد في عالم "هوليوود" لم يكن بالأمر اليسير، خصوصاً في ظل تحكّم وكالات التمثيل بمسار الممثلين. ولذلك لم تحصر ديفيس نفسها بالتمثيل، بل اختارت أيضاً خوض مغامرة الإنتاج، واصفة إياها في واحدة من مقابلاتها بأنها "صوتها الاحتجاجي".
ساهمت هذه التحدّيات والتجارب في تشكيل وعي ديفيس من نواحٍ عديدة، بما في ذلك السياسي، أكان ذلك يتعلق بالعنصرية في الولايات المتحدة، بغياب العدالة، وحتى بالقضية الفلسطينية. ونجحت في تحويل كلماتها في حفلات عديدة لتسلم الجوائز إلى منصة للتعبير عن آرائها. تقول ديفيس في أحد تصريحاتها: أشعر بأنه واجب الجميع الحديث عن الظلم السياسي. ولأن الاختبار الحقيقي كان يرتبط بأشد القضايا عدالة وتعرّضها لمحاولات الطمس، فإن صوت ديفيس كان لصالح القضية الفلسطينية. وفي خضم الاستهداف الإسرائيلي لأهالي حي الشيخ جراح في القدس في عام 2021، كتبت ديفيس على حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي وهي تضم الملايين: "دعونا نتحدّث عما يجري في حي الشيخ جراح"، ساردة حقائق عديدة عن الجرائم الإسرائيلية... وعندما اغتال الاحتلال بدم بارد المراسلة شيرين أبو عاقلة كان صوت ديفيس المندّد بالجريمة حاضراً أيضاً.