توماس فريدمان .. "محبوب العرب"
في اللحظة التي يصل فيها إجرام إسرائيل إلى الحد الذي يمكن أن يعرضها لتساؤلات، يهرع توماس فريدمان، الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى عملية إنقاذ سريعة في محاولة لتحريف الرواية باسم السلام والوئام.
لم أكن لأهتم لكاتبٍ أوراقه مكشوفة لولا أنه يحظى بإعجاب كبير في العالم العربي، من مسؤولين ونخب على حد سواء: أعرف كثيرين ممن يتسابقون إلى الجلوس معه، أو يوزعون مقالاته، كأنها مصدر المعرفة والحكمة عن المنطقة والعالم، وأحيانا كأنها تعبير عن آمالنا وطموحاتنا.
ما لا يريد أن يراه المعجبون أن فريدمان لا يختلف كثيراً عن "كتاب التدخل السريع" في بلادنا، فهو يقدم خدماته، وبسرعة، حين تكون إسرائيل بحاجة إليها، لكن، يقدمها في سياق يبدو على جانب كبير من المهنية والموضوعية، إذ يعرض "الحقائق" ويدعمها بآراء خبراء ومختصين.
لنأخذ مقاله الجديد، "القطار الأخير"، يدعو فيه إلى اللحاق بقطار التسوية الأخير، وفقاً لمبادرة وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، الفاشلة، محذرا من أنه القطار الأخير قبل قطارات الخطر القادمة بسرعة التي ستدمر الإسرائيليين والفلسطينيين. الأهم أن فريدمان، في الظاهر، يبدو على مسافة متساوية من الطرفين، ولكن المقال نفسه دعوة إلى تشريع المستوطنات، والتغطية على جرائم إسرائيل المستمرة.
يسوق فريدمان البضاعة الإسرائيلية باستخدام عبارات تخدم ادعاءً مزيفاً بالتحذير من خطر بقاء الوضع القائم، لكنه ومباشرة يقدم شهادات "خبراء" بأن عمليات تمدد المستعمرات تقع في داخل خطوط الحدود الإسرائيلية في حال قيام دولتين، حسب تصور وضعه وروّجه "الخبيران" اللذان يستعين فريدمان بهما، دينيس روس، ودايفيد ماكوفسكي، في مقالاتٍ لهما على موقع معهد واشنطن للشرق الأدنى، معقل الصهيونية الأهم في أميركا، وفي الصحافة الأميركية.
وهي ديباجة مقصودة للرد على رسالة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، التي طالبت إسرائيل بتحديد "خطوط حمراء" لنشاطها في الضفة الغربية، مشيرة ضمنياً إلى احتمال فرض عقوبات أوروبية، في حال استمر بناء المستوطنات، وعلى الرغم من غياب تهديد أوروبي جدي، إلا أن فريدمان فهم الرسالة المعنوية الإعلامية، وتدخل سريعاً ليفرض رواية بديلة، خلاصتها أن التمدد الاستيطاني لا يهدد خيار الدولتين، ولا مستقبل دولة فلسطينية.
لم يفوت فريدمان الفرصة، بوصف الخطوة الأوروبية على أنها تقويض لشرعية إسرائيل، وهو التعبير نفسه الذي يستعمله المسؤولون الإسرائيليون، لإيجاد حملة معادية تدفع الاتحاد الأوروبي إلى التراجع، ولم يفوت فريدمان الفرصة، أيضاً، لمحاولة إلغاء من وعي القراء، مقتل 504 أطفال فلسطينيين في الحرب على غزة، وحجب أهمية هذا، وكذلك عمليات قتل المستوطنين والجيش الإسرائيلي الأطفال في الضفة الغربية، دعساً وبالنار الحية.
أما السياق العام لهذا كله، فقد مهد له فريدمان، منذ البداية، وهو الخطر الوجودي على إسرائيل، المتمثل في إحاطتها بتنظيمات متطرفة من كل حدب وصوب، وتلميح أن ذلك يشمل غزة، التي انسحبت إسرائيل منها، ولكن حركة "حماس" أصرت على تهديد أمن إسرائيل ومحاربتها، أي بجرة قلم، حذف فرديمان استمرار احتلال غزة الفعلي وحصارها، وحروبها على أهلها، ورسم صورة إسرائيل محاصرة محصورة.
ختم فريدمان بحل بسيط، هو التطبيع من خلال التعاون من أجل الحفاظ على المياه والبيئة، إلى القبول بسرقة المياه والأراضي العربية، وإلا يكون الفلسطيني عدو السلام. كلها ادعاءات صهيونية ممجوجة، لكنها تصبح حكمة العقلانية والمنطق، حين يتفوه بها توماس فريدمان "محبوب العرب".
Twitter @lamis.andoni
.