تونس: البناء إلى السقوط فوق رؤوس الجميع
هل أصبحت تونس دولة منكوبة أم أنها في حالة حرب؟ سؤال طرحه، أخيرا، الرأي المحلي، وهو يتابع وصول قافلة طويلة من شاحناتٍ محمّلة بالمؤن الغذائية دعما من الحكومة الليبية لأشقائها التونسيين. وقد وصفها الملحق الإعلامي في السفارة الليبية بـ "الإغاثة" العاجلة.
هذه الصورة حمّالة أوجه، رغم أنها، في الأصل، لقطة عادية بين شعبين عرفا تاريخيا بالتضامن والتآزر، كلما حلت بأحدهما ظروف صعبة اقتصادية أو أمنية، فعندما انهارت السلطة في ليبيا بعد الثورة على معمر القذافي ومقتله، وجد الليبيون في جارتهم الغربية حاضنة لمئات الآلاف الذين فرّوا من العاصمة طرابلس وغيرها من المدن بحثا عن الأمان والدعم. وكان ذلك واجبا أدّاه التونسيون من دون أن ينتظروا جزاء أو شكورا.
ليست المشكلة في طبيعة المبادرة الليبية التي ذهب بعضهم في تأويلها بطريقة سيئة ومُغرضة، عندما رأوا فيها "مناورة خبيثة" من رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ضد الرئيس قيس سعيّد من أجل إحراجه، ووضع تونس موضع البلد المتسوّل! وبدل التعامل بمسؤولية مع هذه المبادرة وقراءة حسن النية في الأشخاص الذين أمروا بها، هناك من حرص على تحويلها إلى فرصةٍ للانتكاس بالعلاقات الثنائية من جديد، والعودة بها إلى ما كانت عليه من قبل خدمةً لمصالح ضيقة وأطراف بائسة، رغم خطورة الأوضاع في كامل المنطقة.
ما يجب أن يقال إن هذه القافلة التي ضمّت 160 شاحنة أملتها الظروف الصعبة التي يواجهها التونسيون بسبب النقص المتزايد في المواد الأساسية. لم يعد هذا الأمر سرّا يمكن إخفاؤه. أصبحت الأسواق المحلية شحيحةً، بعد أن عجزت الدولة، في أكثر من مناسبةٍ، عن دفع مستحقّات الأطراف الأجنبية التي ترسل البواخر محملة بالبضائع، وتبقى أسابيع راسية في الموانئ التونسية، ثم تضطر إلى أن تعود من حيث أتت، بسبب عدم تسلم مستحقّاتها. يحصل هذا وشهر رمضان على الأبواب. لهذا السبب، بدأت الجهات المسؤولة والمطّلعة تخبر المواطنين بأنها لن تستطيع أن توفر لهم احتياجاتهم الضرورية خلال الشهر الكريم، وأن المخزون الاستراتيجي لمواد أساسية عديدة قد استنفد. وكأن هذه الجهات تقول للتونسيين إن الأزمة الاجتماعية مرشّحة لكي تزداد خطورة وعمقا. وبالتالي، عليهم عدم التعويل على الحكومة والدولة للخروج من هذا المأزق. وفي ذلك رسائل مشفرة للعالم تؤكد للجميع أن تونس أصبحت بلدا منكوبا.
في جميع الحالات، ما حدث مؤشّر سلبي لا يدعو إلى الاطمئنان. تونس مُقدمة على أوضاع أكثر صعوبة مما هي عليه، والدليل ما جاء على لسان رئيس الجمهورية، عندما حمّل رئيسة حكومته رسالة موجهة إلى مديرة صندوق النقد الدولي في اجتماع دافوس أخيرا، المخصص للدورة السنوية للمنتدى الاقتصادي العالمي، حينما أكد على "ضرورة توضيح الوضع المالي والنقدي في تونس، والذي لا يُمكن مقاربته على أساس الأرقام والنسب فحسب، بل لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاجتماعية". وعندما التقطت صورة لرئيسة الحكومة نجلاء بودن مع مديرة الصندوق وهما يتبادلان الابتسامة، تم اعتبار ذلك في تونس مؤشّرا على إيجابية المحادثات، وقرب انفراج الأزمة، في حين أن الخروج من النفق لا يزال بعيدا.
الأزمة عالمية تخنق الجميع، بما في ذلك بلدان عربية. الفرق بين ما يحدث في تونس وفي غيرها أسلوب إدارة الأزمة، الآخرون هم الأشرار. تواجه مصر الصعوبات نفسها إن لم تكن أخطر، لكن السلطة اختارت معالجة مختلفة، وأخذت تعدّل من سياساتها. تم إطلاق سراح مئات من المعتقلين السياسيين، رغبة في تنفيس الأوضاع قبل أن تنفجر. انفتاح محدود في الداخل وتعاون أكبر مع العالم. هي خطواتٌ من شأنها أن تمتصّ ولو قدرا قليلا من الغضب، وتدفع المتحكّمين في الاقتصاد العالمي نحو تقديم قدر من الدعم الأدنى، حتى تبقى مصر واقفة. أما في تونس، فالأمر مختلف. مزيد من الإصرار والتقدّم نحو المجهول، حتى ينهار البناء على الجميع.