جحيم لبناني
لم يعد اللبناني يسأل ما إذا كان وصل إلى القعر في حياته اليومية. بل يتأمل أن تكون لهذا القعر نهاية، حتى يتمكن من التعايش مع وضعه. هذا ما يردّده يومياً في أحاديثه وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. لم يعد انهيار قيمة العملة المحلية أمام الدولار سوى أحد مظاهر الانهيار. كهرباء الدولة تحولت زائرة خجولة تحضر سريعاً وتغيب على نحو أسرع. يبحث اللبنانيون عنها كمن يفتش عن كنز مفقود. يتصبّبون عرقاً، وبشكل أدق يذوبون يومياً. يفترشون الشرفات، أملاً في نسمة هواء لو ملوث ومختلط بروائح النفايات المستديمة منذ سنوات.
تتراجع كل يوم قدراتهم الشرائية، يتسولون أبسط الخدمات، ينحدر مستوى حرياتهم، يُلاحقون من الأجهزة، بسبب أي انتقاد يمس أي مسؤول. .. هم ببساطةٍ تحت رحمة الموت يومياً، وما عادوا يأبهون كيف يأتيهم، سواء أكان بسبب التلوث أم الطعام والدواء الفاسد أو الكمد.
كل من في هذه الدولة، وعلى هامشها، يتفننون في إذلال اللبنانيين. يخرج عليهم الوزراء والنواب بالدور يومياً. يلوكون الكذبة تلو الأخرى، والهم الوحيد لكل واحد منهم تبرئة نفسه وفريقه السياسي من المسؤولية عن انهيار البلد بينما يتمسّكون بإحكام قبضتهم على الوزارات والمؤسسات وينهبونها منذ عقود. مئات مليارات الدولارات تبخّرت من خزينة الدولة إلى حساباتهم البنكية، وطبعاً في الخارج، فهم من تلك الفئة الناجية من مقصلة المصارف وتعاميمها التي قيدت حق المواطنين في التحكم بأموالهم. وحده هذا الأمر يفسر كيف يمتلكون تلك القدرة/ الوقاحة على الاستشراس في دفاعهم عن النظام الحاكم، فهم يحمونه وهو يحميهم.
أما رئيس الوزراء، حسان دياب، فلا يجد حرجاً في أن يخرج شاكياً حال الدولة على "تويتر". يغرّد بثقة عن فجور تتم ممارسته عليها. يتحدث عن وجود مافياتٍ تتحكم، ويطالب بأن يتم التعامل معها بحزم. مشكلته أنه يتعاطى مع الوضع وكأنه لا يحمل أي منصبٍ في هذه الدولة. يُفترض به أن يوجه الأوامر ويحرّك الأجهزة، لا أن يتحول إلى "مغرّد" يتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي منبراً للشكوى، كمن يحتاج من يطبطب على كتفيه، ويقول له "لا تقلق، عزيزي حسان، ستُحلّ قريباً". قد يطرب لسماع ذلك، وهو يتخيله يحدث، وربّما يغرّد بتغريدةٍ أخرى فرحاً. لكن الأمور ليست على هذا النحو. هل يظن دياب أنه يستطيع أن يقنع حتى نفسه بأن الأمور قد تتحسّن. وإذا كان كذلك، هل سأل نفسه يوماً أو حتى مستشاريه، كيف للأمور أن تتقدّم. هل يحتاج رئيس الوزراء من يذكّره بأن المافيات التي يتحدّث عنها محميةٌ من فاعلين سياسيين، جزءٌ منهم ممثّلٌ في حكومته، لا بل متحكم بها.
على رئيس الوزراء أن يتوقف عن التنظير على اللبنانيين، وأن يتخلى عن حساسيته المفرطة تجاه كل من ينادي بإصلاحاتٍ حكوميةٍ حقيقيةٍ، لا مجرّد استعراضاتٍ تدخل في باب المناكفات السياسية. من يدفع ثمن كل هذا الفشل والفساد هو المواطنون اللبنانيون الذين تحوّلت حياتهم إلى جحيم يومي. جزء من هؤلاء كان قادراً على رؤية المصيبة الآتية، ولذلك اختاروا الشارع منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، للتعبير عن الخطر، والضغط من أجل الإصلاح الحقيقي والتغيير. ولولا هؤلاء لما كان هو أو غيره، ممن وقع عليهم اختيار من يتحكّم بالدولة، ليحصل على منصبه. وإذا كان من معركةٍ حقيقية يريد خوضها، فليس عليه سوى أن يلتفت يميناً ويساراً خلال جلسات مجلس الوزراء، ويبدأ من المحيطين به، فالأقربون في هذه الحالة أولى.