جدل التعديلات الدستورية في ليبيا
لم ينته الجدل بشأن التعديل الدستوري الثاني عشر الذي أصدره البرلمان في طبرق في فبراير/ شباط 2022، ورفض المجلس الأعلى للدولة له، واعتباره غير قانوني، وكذلك اعتبار كثيرين له غير جدّي وغير واقعي لتجديد الأجسام التشريعية في البلاد. يتجدّد الجدل مع إقرار مجلس النواب في شرق البلاد التعديل الدستوري الثالث عشر بمفرده، بل ويريد منه أن يكون واقعاً، الأمر الذي رآه كثيرون تسابقاً مع الزمن للاستمرار في المشهد السياسي الليبي بطريقة أو بأخرى، في وقتٍ يتدافع فيه المجتمع الدولي لإيجاد بدائل واقعية وفاعلة على الأرض في تجديد هذه الأجسام، باعتبار أنها جزءٌ من الأزمة، وحتماً لن تكون جزءاً من الحل، وإنْ أريد لها ذلك في سنوات ماضية ومتتالية.
أقرّ مجلس النواب التعديل، أخيراً، بعيداً عن التوافقية التي يدندن حولها في السنوات الماضية، على أقل تقدير، مع شريكه السياسي، المجلس الأعلى للدولة، بحسب اتفاق الصخيرات المسيّر للعملية السياسية في البلاد. وبذلك يضع آخر عصا يتكئ عليها، وبالتالي، قاربت نقطة القفز عليه، أو بالأحرى عليهما، هو والمجلس الأعلى للدولة، أن تكون واقعاً، وما الحوارات والاجتماعات الدولية التي تقودها البعثة الأممية في ليبيا مع الدول الكبرى بعيدة عن هذا الطرح، وإن لم يعلن عنها صراحة.
في الجانب الآخر، ومن الناحية الدولية للأزمة الليبية، كانت هناك حوارات بين قوى فاعلة في المشهد الليبي في الولايات المتحدة، قامت بها مجموعة الاتصال الدولية بشأن ليبيا أخيراً، والتي تضم السفراء والمبعوثين الخاصين إلى ليبيا لكل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، إلى جانب إيطاليا وألمانيا، بالإضافة إلى مصر وتركيا وقطر والإمارات، وذلك كله قبيل الإحاطة الأممية لمجلس الأمن من البعثة في ليبيا التي كانت مقرّرة في 27 الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، والمتوقع أنها حملت خريطة طريق جديدة، وإن لم تكن مفصّلة، إلا أن ملامحها سوف تكون واضحة، وتحمل متغيراتٍ سياسية في الشأن الداخلي من ناحية الجزم والفعل في تجديد الأجسام التشريعية في البلاد في نهاية هذا العام على أكثر تقدير، الأمر الذي سوف تبنى عليه خياراتٍ كثيرة، خصوصاً مع الدول الإقليمية المتداخلة في المشهد الليبي، بطريقة أو أخرى، في هذا الشأن.
متغيراتٍ سياسية في الشأن الداخلي من ناحية الجزم والفعل في تجديد الأجسام التشريعية في البلاد في نهاية هذا العام على أكثر تقدير
عموماً، يسير المشهد السياسي الليبي اليوم في طرق متوازية مع منعطفاتٍ كثيرة تتجاذبه، وبالتالي، تتوسّع الخيارات القابلة للتحقيق والفعل على الأرض في إنهاء المراحل الانتقالية، والإصرار الدولي على أن تكون هناك أجسام جديدة مصدرها القاعدة الشعبية في هذا العام. وبالتالي، سوف تسعى الخيارات الدولية، وكذلك الإقليمية، أو بعض منها على أقل تقدير، بكل الطرق، إلى تحقيق هذا الهدف، سواء بالأجسام الحالية، أو بتخطّيها إلى إجراءات استثنائية، أو خليط بين هذا وذاك. إلا أنه بات اليوم واضحاً أن المجتمع الدولي يتجه بكل قوة إلى هذا المطلب الشعبي، وأن إجراء التعديلات الدستورية التي سارع لها مجلس النواب أخيراً لا يمكن فهمه إلا باعتباره جزءاً من هذا التحرّك، والرغبة في الاستمرار في المشهد في المرحلة المقبلة، وإن كان ذلك بعيداً عن التوافقية التي يدندن حولها منذ سنوات، حيث كان هناك تناغم بينه وبين المجلس الأعلى للدولة في أحيان كثيرة.
إلا أن الأمر اليوم مختلف في الفعل، لأسباب عدة، لعل أبرزها عامل الوقت، والفعل الدولي الذي يتّجه إلى مرحلة أبعد من تعديلات دستورية متفق عليها تارّة، ومختلف عليها في أحيان كثيرة. وبالتالي، من الواضح أن المرحلة المقبلة سوف تقفز على كل الاختلاف والاتفاق بين المجلسين، وسوف تذهب إلى أبعد من ذلك في إنجاز تجديد الأجسام التشريعية في هذا العام.