11 نوفمبر 2024
حرب ليس مسموحاً بها
ليس الخبر، أول من أمس السبت، أن إسرائيل ارتكبت عدوانا عسكريا على الأراضي السورية، واستهدفت (كما قال جيشها) 12 موقعا، تحوي ثلاثةٌ منها بطارياتٍ دفاعيةً جويةً للجيش السوري، وإنما الخبر أن الأخير قام بواجبه، فردّ على العدوان، فتمكّن من إسقاط طائرةٍ حربيةٍ إسرائيليةٍ (أف 16). ليس الإعلام، العربي وغيره، المسؤول عن تركيز الأنظار على ما هو مفترضٌ أن يكون من عاديّ الحوادث والوقائع، وإشاحتها عما هو عدواني، وإنما هو بؤس الحال السوري (والعربي عموما بالضرورة) الذي يجعل الاعتداءات الإسرائيلية على سورية ولبنان شأنا روتينيا، لا يستحق اكتراثا زائدا، سيما وأنها سابقةٌ على دخول سورية محنتها الراهنة، ومستمرةٌ في أثناء الاستباحة المهول لأراضي سورية وكيانها، منذ نحو سبع سنوات التي شهدت ستة وعشرين اعتداءً، كان جديدها، أول من أمس السبت، الأوسع منذ عام 1982، على ما كتبت صحفٌ عبرية.
أما صحّة القول إن تغييرا في قواعد الاشتباك أحدثه إسقاط مضادّات الجيش السوري المقاتلةَ الحربيةَ الإسرائيليةَ فتتطلب ترقب ما إذا كانت دولة الاحتلال سترعوي، وتكفّ عن "روتينية" اعتداءاتها، واختبار ما إذا كانت هذه الواقعة (المبهجة) ستتلوها مثيلاتٌ لها، إذا ما تمادت إسرائيل، واعتبرتها واقعةً لا قياس عليها. وبعيدا عن أي مبالغات، ومن موقعٍ مناوئ لنصرة حزب الله العسكرية والمليشياوية نظام القتل والإبادة في سورية، يشتهي ملايين العرب، وأحدهم صاحب هذه الكلمات، أن يكون كلاما في محله قول حزب الله إن إسقاط الطائرة المعتدية "بداية مرحلةٍ استراتيجيةٍ جديدة". وليس هناك ما هو أدعى لفرح العرب جميعا من أن تنبني المرحلة المتحدّث عنها على أولوية مواجهة الصلف الإسرائيلي، وليس على أولوية بقاء نظام الأسد ولو بمقتل أزيد من ثلاثمائة ألف سوري، وهجرة سبعة ملايين سوري من بلدهم الذي يتدمر، بنيانا وكيانا ومجتمعا.
لم تشهد الأراضي السورية اشتباكا، بالمعنى العسكري للمفردة، مع الصواريخ والمقاتلات الإسرائيلية، في السنوات السبع الماضية، حتى يُقال إن تغييرا في قواعد هذا الاشتباك من المرتقب حدوثه. وإذا صحّت تحليلاتٌ ذهبت إلى أن إسقاط الطائرة المعتدية مجرّد رسالة روسية إلى حكومة نتنياهو، مفادها بأن لا تتجاوز إسرائيل سقوف تفاهمٍ مع موسكو أجاز لها "حرية الحركة في الأجواء السورية"، فإن القصة كلها تصبح أبعد ما تكون عن ذلك الذي نشتهي ونتمنّى، سيما أن "يديعوت أحرونوت" توضح أن ثمّة استعدادا لدى روسيا لأن تجعل إسرائيل "تخسر" تلك الحرية المتاحة لها. والمرجّح أن المكالمة الهاتفية بين بوتين ونتنياهو، عقب "السخونة" التي طرأت السبت الماضي، جاءت على هذا الأمر. والمرجّح أيضا أن الرئيس الروسي هو من أوقف الجميع عند الحافّة، بدل أن تدحرجهم صواريخ وقاذفاتٌ إلى حربٍ ليس مرخّصا لها بعد. ذلك أن مواجهة حربية إسرائيلية إيرانية ما زالت ممنوعة، لمعرفة موسكو وواشنطن، وغيرهما، بأن تطويق تداعياتها سيكون عسيرا.
هوى الصاروخ السوري بالمقاتلة الإسرائيلية، غير أن شظاياه سقطت في شمال الأردن وجنوب لبنان والجليل الفلسطيني، في دلالةٍ لا تخطئها أي عيون على المدى الذي ستتوزّع عليه حربٌ تقوم بين إيران وإسرائيل في الملعب السوري. وإذ ينكتب الآن في صحافاتٍ إسرائيليةٍ وعربيةٍ كثيرةٍ إن الجميع لا يريد هذه الحرب، بل لا يريد أي حربٍ، غير الجارية في الخريطة السورية المنتهكة، وذات التفاصيل الخاصة، فإن الظاهر أن إيران هي أكثر الأطراف حرصاً على تفادي مواجهةٍ من هذا النوع، ليس فقط بدليل صمت مسؤوليها عن أي تعقيبٍ على البيان العسكري الإسرائيلي الذي أفاد، صراحة، بأن بين الاثني عشر موقعا التي تم ضربها في سورية مواقعَ تتبع قواتٍ إيرانية، وإنما أيضا بسبب مقادير "التعقل" الميداني الغزيرة التي زاولتها الجمهورية الإسلامية عقودا أمام استفزازات إسرائيلية كثيرة، وإيثارها الحروب بالوكالة، طالما أن حزب الله يقوم بالواجب، عند اللزوم.
قصارى القول، لواقعة إسقاط الجيش السوري "إف 16" الإسرائيلية أهميتها، غير أنها تبقى أهميةً محدودة، إلا إذا أحدثت المراد منها، أي تغيير الروتيني المعهود، وهذا ما يتبيّن في أيام وأسابيع مقبلة.