حسابات التطبيع المغربي الإيراني
عادت العلاقات المغربية الإيرانية إلى الواجهة بعد تصريح وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، نهاية الشهر المنصرم (يونيو/ حزيران)، بشأن ''ترحيب بلاده بتطبيع العلاقات وتطويرها مع دول الإقليم بما فيها مصر والمغرب''. لم يكن هذا التصريح مفاجئاً، بالنظر إلى ما تتسم به العلاقات الدولية عادةً من تقلّبات تمليها حسابات المصالح وصراع القوة والنفوذ، ما يعني أن المغرب وإيران لا يمانعان، مبدئياً، في تطبيع علاقاتها ضمن تفاهماتٍ تستجيب للحدّ الأدنى من مصالحهما.
بالنسبة للمغرب، يبقى ملفّ التطبيع مع إيران محكوما بالتحوّل الذي شهدته سياسته الخارجية في السنوات القليلة الماضية، وذلك بجعل قضية الصحراء محدّداً بنيوياً في إدارة علاقاته مع الدول، بما فيها الدول الكبرى، خصوصاً بعد الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء في ديسمبر/ كانون الأول 2020. ومؤكّدٌ أنّ التطبيع مع إيران، إذا ما تحقّق، لن يحيد عن مخرجات هذا التحوّل، مع الأخذ بالاعتبار أنّ القطيعة الدبلوماسية بين البلدين كانت على خلفية اتهام الرباط في 2018 حزب الله اللبناني، الموالي لطهران، بتقديم دعم عسكري ولوجيستي ومالي لجبهة البوليساريو، من خلال السفارة الإيرانية في الجزائر. هذا علاوة على ملفّ آخر، لا يزال مصدر توتّر في علاقات البلدين، يتعلق باتهام الرباط طهران بنشر التشيُّع ومبادئ الثورة الإيرانية في المغرب. وهو ما سبق أن أشارت إليه الرباط صراحة، في حديثها عن ''نشاطات ثابتة للبعثة الدبلوماسية الإيرانية في الرباط، تهدف إلى الإساءة إلى المقوّمات الدينية الجوهرية للمملكة، والمسِّ بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السُّنّي المالكي''.
على الرغم من أهمية هذا الملفّ، فإنّه يبدو ثانوياً، على الأقل في الوقت الراهن، أولاً بسبب انشغال إيران بإدارة تناقضات نفوذها المذهبي في العراق ولبنان وسورية واليمن، وثانياً بسبب خبرة السلطة في المغرب في التحكّم في الحقل الديني وإدارة موارده وتوجيهها وفق حسابات دقيقة. يُضاف إلى ذلك الوعي الشعبي في المغرب، والمنطقة بوجه عام، بما خلفته الثورات العربية من شروخ وتصدعات إقليمية، لا شك أن بعضها على صلة بدور النفوذ الإيراني في إجهاض هذه الثورات، لا سيما في سورية واليمن.
بالنسبة لإيران، يندرجُ خطبُ وُدّ المغرب، في هذا التوقيت، ضمن انشغالها بفكّ العزلة عنها، إقليمياً ودولياً، نتيجة العقوبات الغربية المفروضة عليها. وكان تقاربُها مع السعودية، في مارس/ آذار الفائت، مؤشّراً لقياس مدى صدقية نخبتها الحاكمة في معالجة خلافاتها مع جيرانها. وهي حالياً بحاجة لاستخلاص عائدات سياسية من هذا التقارب، ببدءِ صفحةٍ جديدةٍ في علاقاتها بالدول العربية، بالأخص تلك التي تحكُمها أنظمة تستند إلى شرعيةٍ سياسيةٍ سُنّيةٍ، وذلك في أفق مصالحة سُنّية شيعية، تَحدّ من انتشار الخطابات التي تُغذّي الفتنة الطائفية والمذهبية وتحافظ على السلم الأهلي والاجتماعي في المنطقة. وبحكم المشروعية الدينية (السنّية) للنظام المغربي ونفوذه الديني والروحي في بعض دول غربي أفريقيا، فالمغرب، بالنسبة لإيران، يمكن أن يكون فاعلاً في إنجاز هذه المصالحة وتوسيع نطاقها في العالم الإسلامي. بالتوازي مع ذلك، تُدرك النخبة الإيرانية الحاكمة مركزية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب. ولذلك لا يُتوقّع أن تغيب عن حساباتها في أي خطوةٍ قد تخطوها نحو تطبيع علاقاتها معه.
هناك معطى آخر لا ينبغي إغفاله. ويتعلق بتغوُّل الكيان الصهيوني في مواجهة الشعب الفلسطيني وضربه عرض الحائط باتفاقات التطبيع التي أبرمها مع دول عربية، ما يمثل إحراجاً للمغرب الذي كان قد وقّع اتفاق تطبيع مع هذا الكيان في 2020. ومن الطبيعي أن تستثمر إيران ذلك، بجعل تطبيعها مع المغرب مدخلاً لإيجاد نقطة توازنٍ في مواجهة النفوذ الإسرائيلي المتنامي في منطقة الساحل وغربي أفريقيا ضمن صراع النفوذ والهيمنة في هذه المنطقة. وفي الختام، تبقى قضية الصحراء، بالنسبة للمغرب تحديداً، حجر الزاوية في أي تطبيع محتمل بين البلدين.