حسابات نووي إيران بين الداخل والخارج
مثلت تصريحات وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، يوم الجمعة الماضي، بأن اتفاق 2015 مع إيران بشأن برنامجها النووي لم يعد كافياً، ولا بد من اتفاق جديد يتناول قدرات إيران الصاروخية وسياساتها الإقليمية، مثلت صدمةً كبيرةً في طهران. وجاء تعبير الصدمة واضحاً في رد وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، وهو يعلن رفض حكومته القاطع إعادة التفاوض على الاتفاق الذي ربطت حكومة الرئيس روحاني مصيرها وسياساتها به، منذ وصولها إلى الحكم عام 2013. ويبدو أن إيران، أو بالأحرى أصحاب إنجاز الاتفاق النووي، أخفقوا مرة أخرى في قراءة حجم التغيرات التي شهدها الإقليم والعالم في السنوات الخمس الماضية، واعتقدوا أن مجرّد عودة الديموقراطيين إلى الحكم في واشنطن يعني ركوب آلة الزمن، والعودة بها إلى 14 يوليو/ تموز 2015، حين تم التوصل إلى الاتفاق. لهذا السبب تحديداً، لم تلتقط إيران أهمية الاجتماع الثلاثي الذي عقد أواخر الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني) بين ممثلي الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) لمناقشة العلاقة مع طهران، في ضوء عودة الديموقراطيين إلى الحكم في واشنطن، واحتمالية أحياء المسار التفاوضي. وإذ يبدو مستبعداً أن يكون الأوروبيون قد اتخذوا هذا الموقف من دون تنسيق مع إدارة الرئيس المرتقب بايدن، التي يتوقع أن تكون علاقاتها مع الأوروبيين، خصوصاً ألمانيا، وثيقة كما كانت في عهد الرئيس السابق أوباما، يمكن حينها القول إن الموقف الأوروبي يمثل تغييراً كبيراً في قواعد اللعبة الدولية مع إيران.
فوق ذلك، يبدو أن الأوروبيين، بموقفهم هذا، قد دخلوا في صلب الصراع الدائر في طهران بين حكومة الرئيس روحاني التي تعيش شهورها الأخيرة في الحكم، والمعسكر المحافظ الذي يستعد لأخذ مكانها، إذ هدد الأوروبيون بإعادة فرض العقوبات من جانبهم على طهران، إذا هي لم تتوقف عن خرق التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وذهبت باتجاه تنفيذ قرار البرلمان الإيراني الذي أقر مشروع قانون يُلزم الحكومة برفع نسبة التخصيب إلى 20% بدلاً من 3,67% المنصوص عليها في الاتفاق، وتركيب سلسلة جديدة من أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز، والاحتفاظ بكميات أكبر من اليورانيوم المخصب مما يسمح به الاتفاق. واللافت أن مجلس صيانة الدستور الذي يسيطر عليه المحافظون أيد موقف البرلمان في نزاعه مع حكومة روحاني التي جادلت بأن القرار بشأن البرنامج النووي لا يقع ضمن صلاحيات البرلمان، بل هو من اختصاص مجلس الأمن القومي. ويبدو أن احتدام الصراع بين معسكر روحاني - ظريف والمحافظين حول البرنامج النووي والمفاوضات مع الغرب يؤذن بالتحول إلى إحدى أهم القضايا في الحملة الانتخابية الرئاسية التي يبدو أنها انطلقت، ويسعى الأوروبيون إلى التأثير بنتائجها بطريقة ما.
ويعد الموقف الأوروبي المتغير الأحدث في سلسلة متغيراتٍ يبدو أنها ستدفع العلاقات بين إيران والغرب إلى حافّة التأزم من جديد، على الرغم من التفاؤل الذي ساد برحيل إدارة ترامب ووصول إدارة بايدن التي عبرت، بوضوح، عن رغبتها في العودة إلى اتفاق 2015. وتذهب أكثر التوقعات إلى أن المرشد قد يختار، هذه المرّة، الدفع بشخصية عسكرية من الحرس إلى رئاسة الجمهورية في انتخابات يونيو/ حزيران المقبل، وذلك لتأمين حصول انتقالٍ سلس في موقع المرشد، في ضوء الحالة الصحية لخامنئي والعلاقات القوية التي تربط نجله، مجتبى، بقيادات الحرس. ومن بين المرشحين المحتملين: وزير الدفاع السابق حسين دهقان، وأمين عام مجلس الأمن القومي علي شمخاني، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وجميعهم ضباط سابقون كبار في الحرس الثوري.
ويسود اعتقاد أيضاً بأن المحافظين لن يسمحوا، في كل الأحوال، بالعودة إلى طاولة المفاوضات قبل الانتخابات الرئاسية، وقبل ضمان حصولهم على كرسي الرئاسة، بعد أن سيطروا على البرلمان في انتخابات فبراير/ شباط الماضي. وفي حال حصول ذلك، ينبغي حينها البحث عن وجه تفاوضي مقبول. المتغير الأخير الذي برز أخيراً مطالبة دول خليجية بأن تكون جزءاً من أي اتفاق جديد بين الدول الكبرى وإيران، بعد أن تم استبعادها من اتفاق 2015، والواقع أن هذه قد تكون فرصة للتوصل إلى ترتيبات أمنية إقليمية، تأخذ بالاعتبار مصالح الطرفين، لكن إيران لن تقبل بهذا على الأرجح. وهذا يعني أنه ينبغي تجاوز عقبات كثيرة، قبل الوصول إلى طاولة المفاوضات مجدّداً، دع جانباً مسألة التوصل إلى اتفاق.