حملة ترهيب خاسرة للصين
انتظرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتّحدة، ميشيل باشليه، إلى ما قبل دقائق فقط من انتهاء ولايتها لنشر تقرير المفوضية بشأن جرائم شينجيانغ الذي تأخر إصداره مراراً وتكرراً. بقرارها هذا، تكون باشليه قد أفشلت كل حملات الترهيب التي لجأت إليها الصين من أجل منع تعميم الوثيقة.
خلاصة التقرير الأممي أن "نطاق الاعتقال التعسفي والتمييزي لأفراد من الإيغور وغيرها من الجماعات ذات الغالبية المسلمة.. قد يرقى إلى مستوى جرائم دولية، وبالتحديد جرائم ضدّ الإنسانية". عملياً، لا جديد في المحتوى، إذ هناك ما يكفي من التقارير السابقة التي توثّق بالتفصيل ما تتعرّض له هذه الأقلية في الإقليم منذ عام 2016، تاريخ تفجّر الأزمة وحملة القمع التي شملت التعذيب الممنهج والمراقبة الجماعية والعنف الجنسي وانتهاك الحقوق الإنجابية.
من بين هذه التقارير ما نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في عام 2021 بعنوان "قطع نسبهم واقتلاع جذورهم": جرائم الصين ضد الإنسانية التي تستهدف الإيغور و"غيرهم من المسلمين التُرك"، معتبرة أن تبريرات الصين لا يمكن أن تحجب "الحقيقة القاتمة للجرائم ضد الإنسانية". وهو ما خلص إليه تقرير آخر لمنظمة العفو الدولية في العام نفسه بعنوان "وكأننا أعداء في حرب": "حملة الاحتجاز الجماعي والتعذيب والاضطهاد التي تمارسها الصين ضد المسلمين في شينجيانغ". وقد وصفت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، الوضع يومها بالقول إن "السلطات الصينية خلقت جحيماً بائساً على نطاق مذهل في إقليم شينجيانغ إيغور ذي الحكم الذاتي؛ فقد بات الإيغور والكازاخ وغيرهم من الأقليات المسلمة يواجهون جرائم ضد الإنسانية، وغير ذلك من الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان التي تهدد بمحو هوياتهم الدينية والثقافية".
تدرك بكّين جيداً أن تقارير المنظمات الحقوقية وتصنيفات الدول، التي ذهب بعضها إلى حد وصف ما يجري في الإقليم بأنه "إبادة جماعية"، تشكّل جميعها عوامل ضغط، لكنها تعي أيضاً أنه يمكن التصدّي لها وتسييسها كيفما أرادات. والأهم أن هذه التقارير لن تُطلق عملية محاسبة من داخل أجهزة الأمم المتحدة على غرار أي تقرير صادر عن المنظمة الأممية يوثّق الفظائع في الإقليم، ويصبغ عليها صفة الجرائم ضد الإنسانية. وهو ما يفسّر حجم حملة الترهيب التي بذلتها بكّين بوجه المفوضية وباشليه لمحاولة منع التقرير من الخروج للعلن.
لم تكتف الصين هذه المرّة بتوظيف نسختها الخاصة من المصطلحات لتلميع انتهاكاتها، على غرار القول إن معسكرات الاعتقال ليست سوى مراكز تدريب واجتثاث للتطرّف، خصوصاً أنها استخدمت الهجمات التي تعرّض لها مدنيون ذريعة كافية لتبرير إجراءاتها ضد أبناء الإقليم.
اضطرّت بكين، هذه المرّة، إلى الاستعانة بكل أوراق الضغط التي تملكها، على أمل منع صدور التقرير، بما في ذلك عشرات الدول الحليفة، التي وجهت رسائل إلى باشليه تطالبها بعدم نشر التقرير، بحسب ما أكّدت الأخيرة بنفسها قبل أيام. كما عمدت البعثة الصينية في جنيف إلى نشر رسالة مفتوحة موجهة من قرابة ألف منظمة غير حكومية صينية في يوليو/ تموز الماضي، تطلب من باشليه "الوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ وعدم نشر تقييم مليء بالأكاذيب". لكن ذلك كله لم ينجح.
فشل حملة الترهيب لا يعني توقفها، إذ تنتظر الأمم المتحدة، على الأرجح، محطةً جديدةً من الضغوط ستركز فيها بكين غالباً جهودها لمنع البناء على التقرير لاتخاذ أي خطواتٍ مستقبليةٍ ضدها.