دستور ظاهر شاه في رواية أفغانية
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
أعلنت حركة طالبان أخيرا العودة المؤقتة إلى دستور ظاهر شاه في أفغانستان، مع حذف بنودٍ فيه، وهو يعد آخر عهد للأفغان بقانون عصري، كما يعتبر نعيما دنيويا قياسا بما حدث بعد ذلك من فراغ ورعب في البلد المتعدّد الأعراق الذي كان يحكمه الملك ظاهر شاه ضمن مراسيم وقوانين ملكية مدنية. وثمّة نوستالجيا وحنين لدى جميع الكتاب الأفغان الذين يمتحون نسغ رواياتهم من الذاكرة السياسية والاجتماعية إلى عهده، وهم يقيسون الفترة الملكية المستقرّة بما آل إليه بلدهم لمّا صار ساحة جحيمٍ وحروب. حدث في 1973 أن الملك كان في زيارة إلى إيطاليا، وقام بالانقلاب عليه ابن عمّه. حتى ذلك العام، كانت أفغانستان تُحكم ببنود ذلك الدستور، ولنا أن نتصوّر الحال والمآل لو لم تحدُث الكوارث لهذا البلد الذي كان في ذلك الحين في طريقه إلى النمو الطبيعي، ولم يكن فريسة الحرب الباردة بين أميركا والسوفييت، فقد مارس الروس على شعبه أبشع الظروف، ثم جاءت الولايات المتحدة، مستعينةً بفكرٍ ظلاميٍّ متطرّف، بذريعة زحزحة الغريم الشيوعي، ثم ليعيش الشعب الأفغاني في ظلام وحروب أكثر من خمسين عاما.
تؤرخ تلك المرحلة رواية الكاتب الأفغاني المقيم في الولايات المتحدة، خالد حسيني "عدّاء الطائرة الورقية" (506 صفحات، صدرت بالإنكليزية في 2003، ثم بالعربية ترجمة إيهاب عبد الحميد، بلومبزبري، مؤسسة قطر للنشر، لندن والدوحة، 2011)، وتوثقها بالأسماء والصفات، من خلال طفلين، عاشا تفاصيل الحياة الملكية، ثم واجها التحوّلات الدموية التالية، فتقطّعت بهما السبل بين الموت برصاص حركة طالبان لأحدهما (حسن) والهروب إلى أميركا للآخر (أمير). سنجد في العصر الملكي والدة أمير معلمةً في جامعة ووالده يعيش حياة ليبرالية ويحتسي الويسكي في المساء، ويقود سيارة فاخرة. وبذلك، يعيش القارئ تفاصيل حياة كأنها في أي بلد مستقر تحكمه قوانين مدنية، حيث سنرى الهيبيز أو شبابا من حركة الخنافس يجولون في كابول، ويمارسون هواياتهم البوهيمية بحرّية وحياد. وهي الحياة التي قال عنها خالد حسيني، في روايته الأخرى "ألف شمس ساطعة" (صدرت بالإنكليزية في 2007، ثم بالعربية، ترجمة إيهاب عبد الحميد، جامعة حمد بن خليفة، 2012)، إنها فترة تكاد تخلو من الأحداث، لفرط استقرارها، إلى أن يحل الانقلاب، وتتحول أفغانستان إلى ثكنة للرعب حين يدخل السوفييت، فيهرب والد أمير إلى باكستان، ثم من هناك إلى أميركا بعد أن يبيع كل أملاكه. ثم تأتي الهجمة الطالبانية الأكثر وحشية وفتكا، كما تصفها الرواية بتأنٍ ودقّة، من خلال شخصية أمير العائد من أميركا، بحثا عن ابن أخيه الضائع. أمير الذي يأتي إلى الحياة، بالترافق مع وفاة والدته، لتخوض الرواية بعد ذلك في تفاصيل ومنعرجات تراجيدية. ولكن الأهم فيها رصدها هذا التحوّل بين الأنظمة الثلاثة، الملكي ثم الشيوعي ثم الظلام الجاثم الذي مثلته "طالبان" بتغذية أميركية مباشرة. سنجد، في الرواية، أن الأب نجح، في العهد الملكي، في بناء دار للأيتام، وأنفق عليها وعلى رواتب موظفيها، ولكن ما لبثت حركة طالبان أن هدمتها، ثم حرمت النساء من العمل. ومع أن ذكورا كثيرين قد أبيدوا في الحرب ضد السوفييت، فإن النساء لم يجدن بدّا من رمي أبنائهن في الشوارع لجلب الطعام، وأخريات يوزّعن أبناءهن على البيوت. وكان أمير، العائد من أميركا، باحثا عن ابن أخيه الضائع، يصف بدقة كل ما تراه عيناه، ويقارنه بالحالة التي كان عليها في طفولته، حين كان الملك ظاهر شاه يحكم البلاد، يتخلّله حديث ووصف للاحتفالات والمغنين الذين قامت "طالبان" بتصفيتهم بعد ذلك. ووصف مطوّل كذلك للعبة الأطفال الشهيرة في أفغانستان في العهد الملكي، وهي "الطائرة الورقية" التي كانت تأخذ طابعا شعبيا شاملا، إذ يتوج في موسمها بطل، وكان أمير (بطل الرواية) متوجا في أحد المواسم. توضح الرواية كذلك أن عديدين من أمراء الحرب في أفغانستان لم يكونوا سوى مجرمين ومغتصبي أطفال، وهو ما أوضحته الرواية في حالة وصف شخصية آصف الذي يأمر مرافقيه بالبحث عن أطفال في ملجأ متهالك للأيتام.
رواية خالد حسيني "عدّاء الطائرة الورقية" شائقة ومليئة بالأحداث المتصاعدة، وقد بيع منها، كما هو مذكور في غلاف الطبعة العربية الأولى، أكثر من 22 مليون نسخة.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية