04 نوفمبر 2024
دولة حبيب العادلي
"حين يُخلع رئيسُ دولةٍ ما، لا بد أن يُعامل، حتى تثبت إدانته، بطريقةٍ لائقة. وكان ينبغي أن يُترك حسني مبارك في أَحد بيوته، أَو أن تُحدّد إقامته. ولا يصح أن تضع رئيساً في زنزانةٍ في سجن طره. هناك أصول للتعامل مع هذه الأمور. وكان خطأً من المجلس العسكري اعتقال مبارك". (محمد حسنين هيكل في مقابلة لميس الحديدي معه، في تلفزيون سي بي سي، إبريل/نيسان 2013). أول ما تنطق به واقعة تبرئة حسني مبارك من أي تهمة، ظهيرة السبت، أنها تحاول، ما أمكن، أَنْ تصحح ذلك الخطأ. وثانيه أَنها تذكّر بأن انفراد الفراعنة، من بين أهل الحضارات القديمة، بآلهة للعدالة لديهم، مسألة محض أكاديمية. وتذكّر، أيضاً، بأن الضحك على الذقون الذي مارسته السينما المصريّة على نظارتها كان شديد الفداحة، إذ ما من جريمةٍ، ومن أي نوع، في أي فيلم مصري، إلا ولاقى مرتكبها عقابه، ولو في الدقيقة الأخيرة، وبعد ظلمٍ يتعرض له بريء، تسوق أدلةٌ ظاهرةٌ إليه، فيما الحقيقة أَن غيره من اقترف الجناية. وكان الظنّ أن وزير الداخلية المصري الأسبق، حبيب العادلي، هو المرجح أن "يلبس" قضية قتل المتظاهرين في أحداث ثورة يناير، عند تبرئة مبارك، المتوقعة مبكراً، غير أن السادة القضاة، بعد تمحيصٍ طويل في ملفات مهولة العدد، رأوا أن للسينما خيالاتها، ولحبيب العادلي، وستة ضباط كبار معه، كل البراءة والاحترام.
حكم القاضي بأنه لا وجه لإقامة الدعوى برمتها، وقال إن التاريخ صاحب الحكم على محمد حسني السيد مبارك، في غضون رئاسته مصر. وقد بدا مشهد القاضي، وهو يجهر بعظته هذه، رجل تأمل فلسفي بالتاريخ، أفلوطيني النزوع، عديم الثقة بالأمور المادية، منشغلاً بالمجردات، على نحو ما كانه الفيلسوف اليوناني، أفلوطين، (توفي عام 270 ميلادية). وهو في سمته هذا، يترك للمصريين أن يتعاطوا مع حبيب العادلي بأريحيةٍ رواقية، ولا سيما أن 250 ضابطاً في وزارة الداخلية المصرية سبق وأن تمت تبرئتهم من قصة إطلاق الرصاص على المتظاهرين. والظاهر البيّن أَن السادة قضاة محكمة الجنايات في القاهرة الذين نظروا القضية يحبون اللعب على المكشوف، وأرادوا إزالة كل هذا الغبش عن دولة حبيب العادلي، التي ما إن عادت إلى السلطة ليلة 3 يوليو، حتى مضت في مداواة جروح وندوبٍ أصيبت بهما، ثم كان نطق القاضي محمود الرشيدي بما قاله، السبت الماضي، بلاغاً تلفزيونياً عن استعادة هذه الدولة عافيتها.
نقول دولة العادلي، فالجيش المصري وثب إلى السلطة لأنه الأقدر على أن يفعل ذلك، أما الأقدر على الحكم فهي وزارة الداخلية، وأجهزتها الأمنية والبوليسية، بتحالفها المعلن، والسري أحياناً، مع فلول حسني مبارك الباقين في دولةٍ عميقة، قوية الخيوط والرهانات والأدوات، وكذا القريبين من هذه الدولة بكيفياتٍ أخطبوطيةٍ، ليست عصية على التعيين والتأشير إليها. وما يتأكد في البراءة المظفرة أن الحصة الأهم في السلطة في مصر ليست للجيش، على ما له من دالّةٍ ثقيلة على الجميع. ولأن الأمر كذلك، في أهم وجوهه وأوضحها، لم تكن القوات المسلحة المصرية معنية كثيراً بتبرئة مبارك وولديه، فذلك تفصيل يخص الجهاز التنفيذي في الدولة، أي الإدارة الحاكمة المرتبطة برمزية حبيب العادلي وضباطه. وهؤلاء هم من اندلعت ثورة يناير ضدهم، فيوم 25 يناير هو عيد الشرطة المصرية، واختير موعداً لتظاهرات غاضبة ضد التعذيب والعسف الشنيعين الذي تمارسه هذه الشرطة، في السجون وخارجها.
براءة هذه الشرطة، والوزير المسؤول عنها، هو الأهم، فقد تأكد بها انتصار دولة حبيب العادلي على دولة اشتهاها ثوار يناير، أما حسني مبارك فلم يكن جائزاً، أصلاً، حبسه، على ما أوحى القاضي، وعلى ما سبقه محمد حسنين هيكل.
حكم القاضي بأنه لا وجه لإقامة الدعوى برمتها، وقال إن التاريخ صاحب الحكم على محمد حسني السيد مبارك، في غضون رئاسته مصر. وقد بدا مشهد القاضي، وهو يجهر بعظته هذه، رجل تأمل فلسفي بالتاريخ، أفلوطيني النزوع، عديم الثقة بالأمور المادية، منشغلاً بالمجردات، على نحو ما كانه الفيلسوف اليوناني، أفلوطين، (توفي عام 270 ميلادية). وهو في سمته هذا، يترك للمصريين أن يتعاطوا مع حبيب العادلي بأريحيةٍ رواقية، ولا سيما أن 250 ضابطاً في وزارة الداخلية المصرية سبق وأن تمت تبرئتهم من قصة إطلاق الرصاص على المتظاهرين. والظاهر البيّن أَن السادة قضاة محكمة الجنايات في القاهرة الذين نظروا القضية يحبون اللعب على المكشوف، وأرادوا إزالة كل هذا الغبش عن دولة حبيب العادلي، التي ما إن عادت إلى السلطة ليلة 3 يوليو، حتى مضت في مداواة جروح وندوبٍ أصيبت بهما، ثم كان نطق القاضي محمود الرشيدي بما قاله، السبت الماضي، بلاغاً تلفزيونياً عن استعادة هذه الدولة عافيتها.
نقول دولة العادلي، فالجيش المصري وثب إلى السلطة لأنه الأقدر على أن يفعل ذلك، أما الأقدر على الحكم فهي وزارة الداخلية، وأجهزتها الأمنية والبوليسية، بتحالفها المعلن، والسري أحياناً، مع فلول حسني مبارك الباقين في دولةٍ عميقة، قوية الخيوط والرهانات والأدوات، وكذا القريبين من هذه الدولة بكيفياتٍ أخطبوطيةٍ، ليست عصية على التعيين والتأشير إليها. وما يتأكد في البراءة المظفرة أن الحصة الأهم في السلطة في مصر ليست للجيش، على ما له من دالّةٍ ثقيلة على الجميع. ولأن الأمر كذلك، في أهم وجوهه وأوضحها، لم تكن القوات المسلحة المصرية معنية كثيراً بتبرئة مبارك وولديه، فذلك تفصيل يخص الجهاز التنفيذي في الدولة، أي الإدارة الحاكمة المرتبطة برمزية حبيب العادلي وضباطه. وهؤلاء هم من اندلعت ثورة يناير ضدهم، فيوم 25 يناير هو عيد الشرطة المصرية، واختير موعداً لتظاهرات غاضبة ضد التعذيب والعسف الشنيعين الذي تمارسه هذه الشرطة، في السجون وخارجها.
براءة هذه الشرطة، والوزير المسؤول عنها، هو الأهم، فقد تأكد بها انتصار دولة حبيب العادلي على دولة اشتهاها ثوار يناير، أما حسني مبارك فلم يكن جائزاً، أصلاً، حبسه، على ما أوحى القاضي، وعلى ما سبقه محمد حسنين هيكل.