04 نوفمبر 2024
زوارٌ وزوارٌ في دمشق
أمضى المغني والملحن اللبناني، مروان خوري، ثلاث ساعات في دمشق، قبل أيام، أحيا فيها حفلةً غنائيةً، أظهرت صورُ أن الجمهور ملأ القاعة (التذكرة من 100 إلى 200 دولار)، وتفاعل بحماسٍ مع أغنيات النجم اللبناني الذي أبدى فرحته بالسهرة، وأعلن حبّه دمشق، واحترامه جمهورَها "بكل انتماءاته وتوجهاته". ... لا يحسُن أن تثير زيارة مروان خوري هذه العاصمة السورية اعتراضا، منا نحن الذين نناهض نظام الإبادة الحاكم هناك، ببساطةٍ لأن المغني المعروف لم يقترف ما يبعث على الاستنكار والانتقاد، فقد زار عاصمةً عربيةً، وأبهج جمهورا له فيها يبحث عن الفرح، ونظّمت حفلتَه جهةٌ ربحيةٌ خاصة، وقال كلاما طيبا، ولم "يتزلّف" للسلطة، ولم "يتورّط" في استثمارٍ دعائي للنظام، يحدث أن تفتعل مثلَه الأجهزة إياها هناك. ليس حال مروان خوري في حفلته الدمشقية تلك، ليلة عيد العشاق، كما حال كتّابٍ ومثقفين عرب يتقاطرون إلى سورية، لإشهار اصطفافهم مع بشار الأسد، بالدعاوى التشبيحية المعلومة. ولذلك، ليس تناقضا أبدا أن يكون واحدُنا مع مشوار مروان خوري، وساخطا، في الوقت نفسه، على مشاوير حبيب الصايغ وأترابه في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب إلى دمشق، لإصدار بياناتٍ فيها، تنتصر لحرب السلطة القابضة على أنفاس الناس وأرواحهم ضد الإرهاب، وتخرس عن جرائم لا تتوقف هذه السلطة عن ارتكابها. وعندما جلس هؤلاء في ممرٍ في قصر الرئاسة مع الأسد، وأنصتوا من الأخير إلى ما أنصتوا إليه، كان مشهدهم بالغ الذيلية عندما يرتضي المثقف مداهنة القاتل.
لسنا عدميين، ولا يجوز أن نكون. وعند قولنا إننا مع سورية وشعبها فإن المعنى واضح. ولأن الأمر كذلك، نُمسخر إلهام شاهين، عندما تتردّد، غير مرةٍ، إلى دمشق، مع زملاء لها من طينتها التشبيحية، لتطبل وتزمّر لسورية الأسد الصامدة في وجه الإرهاب. ولتزهو، في حضرة المفتي الشيخ أحمد حسّون، بنصرتها هذا الصمود. نُمسخر أداء الممثلة المصرية هذه، وفي الوقت نفسه، كنّا سنستحسن قدومها إلى الشام، للقاء جمهور أفلامها من السوريين في دمشق، مثلا، أو للمشاركة في نشاطٍ فني، بعيدٍ عن الاستخدامات المعلومة التفاصيل، والتي تجيد أجهزةٌ مختصةٌ طبخها.
تختلف أحوال سورية الراهنة، في أتون المقتلة الماثلة قدّامنا، بالسارين والبراميل المتفجرة وجرائم عصابات الإرهاب، عنها قبل سبع سنوات. وبالتالي فإن لزيارات المثقفين العرب، من أهل الفكر وأصحاب الإبداع الأدبي خصوصا، دمشق، في هذه الغضون، تفاصيل أخرى مغايرةً عن اعتباراتٍ أخرى لزياراتهم سابقا. وكان غايةً في الحذاقة البيان الذي أصدره مثقفون سوريون معارضون، من منافيهم في الشتات، في 2008، عام "دمشق عاصمة الثقافة العربية"، وأبدوا فيه غبطتهم بزيارة كتّاب ومبدعين عرب سورية، ليلتقي بهم شعبها، ويتعرّف على آدابهم وفنونهم وأفكارهم، غير أن البيان تمنّى على أولئك الضيوف أن يُبادروا إلى "إيماءة تضامنٍ ملموسةٍ وصريحةٍ وشجاعةٍ مع معتقلي الرأي، محبّي الحرية والحق والجمال من أبناء سورية الصابرة، ...". ليس ممكنا في أثناء المذبحة الراهنة في سورية أن يصدر مثل ذلك البيان الرائق، فالسكّين اللامعة هناك تجعل ذلك التمنّي المعلن قبل عشر سنوات ترفا ذهنيا الآن. المتاح حاليا أن يُقال لمغنٍ من قماشة مروان خوري أنه أحسن صنعا أنه منح سوريين لحظة بهجةٍ مدفوعةَ الأجر، في سهريةٍ فرحة، في عاصمة بلدهم، من دون أن يقدّم أثماناً سياسيةً أو دعائيةً لأحد. وبالتوازي، أن يقال إن فعلة رهط أولئك الكتاب في اتحاد حبيب الصايغ، قبل أسابيع، في دمشق، كانت مخزيةً. وهذا أضعف الإيمان.
ولأن للموضوع حواشيه غير القليلة، يُحال هنا إلى ما أجاب به المفكر عزمي بشارة على أسئلةٍ لمحاوره صقر أبو فخر في كتاب "في نفي المنفى .."، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2017)، في شأنٍ على صلةٍ بمشاغل هذه المقالة. يقول إنه، في لقاءاته مع المسؤولين السوريين إبّان زياراته دمشق، تحدّث عن أحوال بعض المعتقلين، ولم ينجح، و"في حالات الاعتقال القصير، أو قبل الحكم بالسجن، كانت الاستجابة أكبر". ويقول ".. استطعنا إطلاق سراح مجموعة كبيرة من الفلسطينيين. لكن هذا ليس مدعاة فخر، فإذا لم يطرح المثقف والديمقراطي مثل هذه الموضوعات، فهناك خللٌ في مبدئيته". .. هل من يقرأ ويساجل؟