ساحرة هاري بوتر تثير حنق إسرائيل
تتعرّض الممثلة إيما واتسون، بطلة سلسلة أفلام "هاري بوتر" الخيالية، لحملة إسرائيلية تتهمها بمعاداة السامية، بعد نشرها شعار "التضامن هو فعل" من صورة لتظاهرة مؤيدة للفلسطينيين، في ردة فعل متوقعة، لكنها شرسة، شارك فيها السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، وكأنّ ساحرة سلسلة الأفلام الشهيرة هزّت عصاها لتجعل كلّ سكان العالم مناصرين للشعب الفلسطيني. ولقلق إسرائيل ما يبرّره، فالممثلة الشابة من ألمع نجوم جيلها، ودورها في "هاري بوتر" يجعلها مؤثرة على أجيالٍ في الحاضر والمستقبل، لما تتمتع به قصة مدرسة السحر من جاذبية، والفيلم من إبداع فني مبهر. وجاء تعبيرها عن دعم الفلسطينيين بعد عرض حلقة خاصة على الهواء جمعت جميع النجوم بمناسبة مرور عشرين عاماً على انطلاق سلسلة الأفلام التي حصدت إيرادات كلية قاربت عشرة مليارات دولار.
حتى الماضي القريب، كانت أيّ هجمة إسرائيلية أو صهيونية تجبر الممثلين والمغنين على التراجع وتخفيف تصريحاتهم المؤيدة للفلسطينيين، لكنّنا نشهد تغييراً ملحوظاً؛ إذ بدأت الاتهامات الإسرائيلية تفقد تأثيرها فيما ينبري نجوم للدفاع عن زملائهم. ففي حالة إيما واتسون أعلن اثنان من نجوم "هاري بوتر" ألان ريكمان وميريام مارجوليس، تأييد موقفها وحقوق الإنسان الفلسطيني، تلا ذلك توقيع أربعين من نجوم التمثيل والإخراج وكلّ ما يتعلق بصناعة السينما على بيان يرفض تهمة العداء للسامية، في رد بليغ على المسؤولين الإسرائيليين أنّ هناك "فرقاً واضحاً بين التعصّب والكراهية وبين معارضة نظام وسياساته".
صرنا نشاهد أفلاماً غير مسبوقة ضد العنصرية وتفضح جرائم ما يسمى "الحرب على الإرهاب" وإن جاءت متأخرة
ويهزّ انضمام نجوم السينما والتلفزيونات الغربية إلى نقد سياسات إسرائيل، ووصفها بأنّها نظام فصل عنصري، عقوداً من الدعم بالمليارات، دفعها مؤيدو إسرائيل وهوليوود لترويج الرواية الصهيونية والتحريض على الشعب الفلسطيني، إلى أن أصبح تأييد إسرائيل جزءاً من الثقافة السائدة في هوليوود التي كانت تقبل بالعنصرية ضد السود، وكلّ من تعتبره السياسة الأميركية عدواً خارجياً أو داخلياً. ولذا صرنا نشاهد أفلاماً غير مسبوقة ضد العنصرية وتفضح جرائم ما يسمى "الحرب على الإرهاب" وإن جاءت متأخرة. لكن، لا بد من تسجيل هذا التغيير في تقدير لنضال الشعب الفلسطيني، وحركات التضامن وحركة المقاطعة (بي دي أس)، وكذلك "حياة السود مهمة" التي لعبت وتلعب دوراً مهماً في إظهار التقاطعات بين قضايا الظلم ومناهضة العنصرية.
يجب أخذ هذه التغييرات بجدّية، واعتبارها بداية الطريق، فقد اعتادت إسرائيل وأنصارها على اعتبار هوليوود، وحتى صناعة السينما عبر البحار، ضمن نطاق تأثيرها، إن لم يكن سيطرتها، فمثلاً أصبح عادياً أن يجتمع نجومٌ من هوليوود سنوياً في حفل عشاء يقيمه المليونير الأميركي الصهيوني، حاييم صابان، باسم جمعية "جيش الدفاع الإسرائيلي" يجمع فيه تبرّعات للجنود الإسرائيليين، من دون استهجان دعم جيش الاحتلال وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني واستنكاره. وتمويل مؤيدي إسرائيل أفلاماً في هوليوود ليس سراً، فحاييم صابان نفسه كان يملك شركة قبل ان يبيعها لاحقاً إلى شركة "والت ديزني" أنتجت أفلاماً ناجحة للأطفال، أهمها سلسلة أفلام كاسبر "الشبح المحبب" وهي شخصية معشوقة من الأطفال وحتى الكبار في أرجاء العالم.
التغيير في هوليوود بدأ، وإلّا لما رأينا أفلاماً فلسطينية تترشّح لجوائز الأوسكار
أما المخرج ستيفن سبيلبيرغ، فلا يحتاج لتمويل صهيوني، لإنتاج أفلام بعضها أراد مسح النكبة الفلسطينية من الذاكرة، بفيلم "قائمة شيندلر" عن المحرقة. وهو فيلم مؤثر في عمق الإحساس الإنساني، لكنّه وضع نهاية له مع إنشاء "دولة إسرائيل" على أرض فلسطين التاريخية، فلا أثر لجرائم ومذابح للعصابات الصهيونية، ولا لاقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه... صحيح أنّ سبيلبيرغ من أهم المخرجين السينمائيين، لكنّ هوليوود لم تكن ترحب بالحفاوة نفسها بمخرجين مبدعين من ناقدي السياسة الأميركية، وإنّما دائما تبتعد، أو ترفض الرواية الأخرى ليس عن الشعب الفلسطيني، بل عن كلّ حركات التحرّر، والجرائم الأميركية، إلّا ما ندر، وعادة بعد مرور سنوات أو أحياناً بعد هزيمة للجيش الأميركي، كما في فيتنام. فلنحو عقدين لم يُعرَض فيلم واحد عن معتقل غوانتنامو، وعمليات التعذيب المرعبة فيه بحجة التحقيق، خصوصاً أنّ المعسكر بحد ذاته جريمة حرب، إلّا العام الماضي (2021)، حين ظهر فيلم "الموريتاني" وقبل ذلك ساد شبه صمت رهيب في هوليوود، فتواطؤ هوليوود وخوف العاملين فيها لم يقتصرا على القضية الفلسطينية، وإن كانت جريمة إسرائيل المستمرة والدعم الأميركي غير المشروط وغير المحدود جعلا الأفلام التي تنتقص من إنسانية العرب، كما قام بتوثيقها الكاتب العربي- الأميركي الراحل جاك شاهين، مقبولة، بل ومرحباً بها، ولا تُشَكل عنصريتها البشعة معضلة أخلاقية لأسياد هوليوود ومعظم نجومها.
التغيير في هوليوود بدأ، وإلّا لما رأينا أفلاماً فلسطينية تترشّح لجوائز الأوسكار، لكنّ صاحبة هذه السطور لا تعتقد أنّ هوليوود مستعدة بعد لفيلم عن النكبة يتحدّى جذور الرواية الصهيونية، لكنّ هذا تقدم مرافق لنهوض حركات اجتماعية مدنية في مواجهة صعود موجة اليمين الفاشي في أميركا، فمن كان يتوقع قبل عقدٍ مثلاً أن تنشر ممثلة، بحجم سوزان ساراندون، تعليقاً نقلاً عن منظمة "يهود من أجل السلام" المعادية للصهيونية، مقاربة بين عمليات الإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين في أميركا وما ترتكبه إسرائيل في فلسطين؟
ألا يخجل من يجاهر بحبّ الدولة الصهيونية في العالم العربي من شجاعة والتزام فنانين غربيين؟
الغائب في كلّ الموضوع هو الأموال العربية، في تمويل أفلام ذكية وإبداعية تسرد الحكاية الفلسطينية وتداعيات الغزو الأميركي للعراق، وكلّ مجازر الاستعمار، لكنّنا الآن في عهد التطبيع المُذلّ، وقد نسمع قريباً عن عملية إنتاج سينمائية ضخمة مموّلة من "بعض العرب" لا تهادن إسرائيل فحسب، بل تجعل الشعب الفلسطيني مجرماً لا حق له بأرضه وتزيّف كفاحه، فردّة الفعل الإسرائيلية الغاضبة على منشور إيما واتسون تعكس أيضاً تفاجؤ إسرائيل بالتحولات في عالم السينما، خصوصاً أنها وأميركا تعتقدان أنّ التطبيع العربي - الإسرائيلي سوف ينهي، أو يخفّف أيّ معارضة أو نقد عالمي ضد إسرائيل، لكن من الواضح أنّ هناك جبهة أخرى على إسرائيل أن تخوضها ضد مجموعة كبيرة من فناني العالم.
في عام 2014، وقّع ألف مثقف وإعلامي وفنان بريطاني على بيان يدين حرب إسرائيل على قطاع غزة، ويؤيد حركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس)، حينها رفضت الكاتبة ج. ك. رولينغ، مؤلفة روايات هاري بوتر التوقيع، فانتقدها زملاء لها، فكان أن ردّت بأنّ موقفها الإنساني متأثر بأعمال الشاعر الفلسطيني محمود درويش، لتنشر صحيفة ذا غارديان مقالاً يُذَكّر الكاتبة البريطانية أنّ قصة درويش مع الاقتلاع والتشرّد تناقض ادّعاءاتها بأنّ شعره ملهم لها. والآن، بعد ثماني سنوات، نرى أبطالاً في قصتها عن مدرسة للسحرة تدرّب تلاميذها على مكافحة الشر فهموا مغزى الرواية جيداً، وها هم يستعملون سحر نجوميتهم للدفاع عن العدالة، فهل تنضم رولينغ وآخرون إليهم؟ لكنّ الأهم: ألا يخجل من يجاهر بحبّ الدولة الصهيونية في العالم العربي من شجاعة والتزام فنانين غربيين؟ المشكلة أنّ المطبّعين العرب الذين ليسوا في منأى عن خطر إسرائيل، لم يتتلمذوا على مكافحة الشرّ، بل على خدمته.