سلام إثيوبيا ومعضلة إريتريا
توقفت طبول الحرب في إقليم تيغراي في إثيوبيا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. تخطو الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي بثبات نحو إنهاء حقبة الحرب، بعد توقيع اتفاقات لوقف الأعمال العدائية بشكل دائم وإنهاء القتال. ومن ضمن ما جرى التوافق عليه أن يتم نزع سلاح قوات تيغراي، بدءاً من "الأسلحة الخفيفة" في غضون 30 يوماً من التوقيع، وأن تتولى قوات الأمن الفيدرالية الإثيوبية السيطرة الكاملة على المرافق والمنشآت الفيدرالية والبنية التحتية الرئيسية داخل الإقليم. وقد ربط الاتفاق نزع الأسلحة الثقيلة بـ"انسحاب القوات الأجنبية وغير الفيدرالية"، في إشارة ضمنية أولاً إلى إريتريا التي شاركت في الحرب، وثانياً إلى المليشيات الإثيوبية المحلية التي قاتلت مع الحكومة، مدفوعةً بصراعاتٍ إثنية.
وبالفعل، تم البدء في تطبيق بنود الاتفاقات مع الإعلان عن تسليم السلاح الخفيف، ثم تطبيق أبرز البنود في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي المتعلقة بتسليم قوات تيغراي السلاح الثقيل. كما دخلت الشرطة الفيدرالية إلى ميكيلي، عاصمة الإقليم. وأعلن عن انسحاب قواتٍ تابعةٍ لإقليم أمهرة كانت تؤازر الجيش الإثيوبي. كذلك سمح لقوافل المساعدات بالدخول إلى الإقليم بعدما كانت ممنوعة. حتى إن رئيس الوزراء، أبي أحمد، عقد في فبراير/ شباط الماضي أول اجتماع لقادة إقليم تيغراي منذ إبرام اتفاق السلام لبحث الخطوات التي رافقت تطبيق الاتفاقات.
وعلى الرغم من ذلك تبقى الشكوك قائمة في ما يتعلق بصمود الاتفاقات، خصوصاً لجهة الاستمرار في القدرة على تسويقها داخلياً بين حلفاء أبي أحمد. لكن الخشية الأكبر تتعلق بإريتريا الدولة المجاورة لإثيوبيا، والتي أدّت دوراً مركزياً في النزاع، فهي تبدو مستبعدة وغير راضية عن الاتفاق، ولم تسحب بعد قواتها بشكل كامل من الإقليم. في منتصف الشهر الماضي (فبراير/ شباط) أجرى الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، مقابلات عدة، كان القاسم المشترك فيها إبداء عدم رضاه الضمني عن الاتفاقيات، واضعاً إياها في سياق "حيلة من الغرب" لإنقاذ جبهة تحرير تيغراي. ووضع الاتهامات الموجهة إلى قوات بارتكاب انتهاكات واسعة ضد حقوق الإنسان خلال مشاركتها في المعارك بأنها ناجمة عن "خيال الذين يريدون عرقلة أي عملية سلام عن تحقيق هدفها". وصوّب على الجبهة، معتبراً أنها من تسبّبت بالدمار في الإقليم، وأن المسؤولين منها عن الفظائع يجب أن يواجهوا العدالة.
وتشكّل سياسة الإنكار هذه امتداداً لسلوك رافق الحرب في تيغراي. على الرغم من أن إريتريا أعلنت، في البداية، عدم تورّطها في الصراع، إلا أن الشهادات لم تتأخّر لتظهر حجم تدخل القوات الإريترية ومشاركتها بشكل فعال مع القوات الإثيوبية ضد المتمرّدين إلى جانب تقديمها دعماً عسكرياً للحكومة الإثيوبية في حملتها العسكرية.
وثّقت تقارير منظمات حقوق الإنسان ارتكاب الجيش الإريتري انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل العشوائي والتعذيب والاغتصاب والنهب. وتحدثت الأمم المتحدة عن توفر أدلة كافية بشأن وجود قوات إريترية في تيغراي. وتمت إدانة تورط إريتريا من قبل جهات دولية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وفرضت بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، عقوبات على المسؤولين الإريتريين والكيانات المتورطة في الصراع.
أسباب تورّط إريتريا في حرب تيغراي متعدّدة، بعضها مرتبط برغبتها في استغلال الصراع لتوسيع نفوذها في المنطقة وإضعاف الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي لأسباب تاريخية. كما لا يمكن تجاوز الأهمية الاستراتيجية لتيغراي بالنسبة لأسمرة. ... ويبقى السؤال الأهم ما إذا كانت إريتريا ستكتفي بالمراقبة وإرسال مؤشّرات على امتعاضها أم أنها ستحرّك أوراقها لعرقلة الاتفاقات وإفشالها، متى ما اعتقدت أن اللحظة مهيأة لذلك.