06 نوفمبر 2024
سياسة محلية والتداعيات عالمية
تنسحب؟ لا، لن تنسحب، لكن ربما تنسحب، إنما ببطء، هكذا صار حال السياسة الخارجية الأميركية في عهد دونالد ترامب، تخضع لمزاج الرئيس، ومدى استعداده لتوظيفها خدمةً لأجندته الشخصية، وفي معاركه الداخلية، بغض النظر عما يمكن أن يسببه ذلك من اضطراب على مستوى العالم، أو يتركه من تداعياتٍ على خالص المصالح الأمنية والاستراتيجية للولايات المتحدة، وتحالفاتها الدولية. سوف تزداد هذه النزعة حدّة خلال عام 2019، مع تنامي المشكلات التي تواجه ترامب، قانونية كانت أو سياسية أو اقتصادية، مع ظهور بوادر على دخول الاقتصاد في حالة ركود، وارتفاع مخاطر الحرب التجارية مع الصين على الاقتصاد الذي ظل حتى الآن أبرز نقاط قوة ترامب، ما يعني مزيداً من التوتر على المستوى الشخصي، ومزيداً من الارتجال في السياسة الخارجية.
من هذا الباب، تغدو التحليلات المتصلة بوجود أبعاد استراتيجية كبرى لقرارات ترامب إضاعة للوقت، وتبديداً للجهد، إذ ليس ثمّة تفكير استراتيجي، ولا أهداف كبرى وراءها، فالأمور، كما اتضح، أبسط من ذلك بكثير، إذ لم يعد يحتاج فهم السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب إلى النظر أبعد من الاعتبارات الشخصية الخاصة بالرئيس، فكل قرار يتخذه ترامب في السياسة الخارجية ليس إلا شأناً داخلياً، لا علاقة له بسياسات عليا أو مصالح كبرى، أو موازين قوى إقليمية ودولية، بل رسائل يخاطب فيها الرئيس جمهوره، ويشدّ بها عصب قاعدة دعمه الشعبية التي تزداد أهميتها له مع تنامي التحديات التي تواجه رئاسته.
لكن غياب تفكير استراتيجي عميق وراء قرارات ترامب في السياسة الخارجية لا يعني عدم وجود تداعيات استراتيجية كبرى لها. على العكس، لأن هذه القرارات مزاجية، وتأتي مفاجئة، ومتطرفة في طريقة اتخاذها، فإن تداعياتها الاستراتيجية تصبح أكبر، كما أن ردود الفعل عليها تتسم بالارتباك والحيرة، كما حصل في سورية، فإذا قرّر ترامب فعلاً المضي في تنفيذ الانسحاب منها، ببطء أو بسرعة، فإن هذا القرار يوشك أن يغير كل قواعد الصراع السوري، وستكون له تداعياتٌ مهمةٌ على مجمل الوضع السياسي والاستراتيجي في المنطقة، وعلى علاقات أطراف الصراع ببعضها.
واقع الحال أن ترامب قلبَ، بحركةٍ واحدة، ومن دون أن يعي ذلك بالضرورة، كل التحالفات والعلاقات والموازين بين أطراف الصراع السوري، وأعاد بعضها إلى حيث كانت مع بداية الأزمة. ففيما يتعلّق بالحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، قرّر ترامب، على ما يبدو، أن الوقت حان للنزول عن ظهر الحصان الكردي، واستبدال التركي به. وعلى الرغم من تحفّظ المؤسسة العسكرية، يكون ترامب، بتخلّيه عن الأكراد، قد استعاد ثقة تركيا، وعاد إلى الاعتماد عليها في التأثير بنتيجة الصراع السوري، ومنع روسيا وإيران من الاستفراد بكتابة فصوله الختامية. وستكون لهذا التغيير تداعيات كبرى على الخطط الروسية التي راهنت سنوات على إمكانية إبعاد تركيا عن الغرب، وتفكيك تحالفها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو). وسيلقي كذلك بظلاله على التفاهمات الروسية التركية، سواء المتعلقة بإدلب، أو تلك الخاصة بالحل السياسي في سورية (أي مجمل مسار أستانة، وتفاهمات سوتشي التي بدأت مع التقارب الروسي - التركي أواخر عام 2016).
وفيما تعود تركيا إلى تحالفها التقليدي مع واشنطن، تعود وحدات حماية الشعب الكردية، هي الأخرى، إلى قواعدها القديمة التي خلخلتها الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، أي تعود إلى الحضن الروسي، بحكم انتمائها القديم اليساري - الماركسي، بعد فترة عناق قصيرة، قضتها في الحضن الأميركي. ستتبيّن في الفترة المقبلة تداعيات هذه التغييرات المهمة على الصراع في الشمال السوري، في شرق الفرات ومنطقة إدلب. ماذا عن إيران؟ بمقدار ما يثير الانسحاب الأميركي ارتياحاً لديها، إلا أنه يزيد من مخاطر مواجهتها مع إسرائيل في سورية. هذا يعني، بنظرة عامة، أن ترامب أوكل مسؤولية القضاء على بقايا تنظيم الدولة الإسلامية إلى تركيا، فيما ترك إسرائيل تتولّى مهمة احتواء النفوذ الإيراني في سورية. أما روسيا فعليها أن تدبّر رأسها وسط هذا الصراع، حكماً فيه أو خصماً. هل قصد ترامب الوصول إلى هذه النتيجة؟ الأرجح أنه لم يفكر بشيءٍ من هذا، لكن النتيجة جاءت متوافقة، في نهاية المطاف، مع استراتيجية "أميركا أولاً"، وتحميل الآخرين أكلاف المواجهة!
لكن غياب تفكير استراتيجي عميق وراء قرارات ترامب في السياسة الخارجية لا يعني عدم وجود تداعيات استراتيجية كبرى لها. على العكس، لأن هذه القرارات مزاجية، وتأتي مفاجئة، ومتطرفة في طريقة اتخاذها، فإن تداعياتها الاستراتيجية تصبح أكبر، كما أن ردود الفعل عليها تتسم بالارتباك والحيرة، كما حصل في سورية، فإذا قرّر ترامب فعلاً المضي في تنفيذ الانسحاب منها، ببطء أو بسرعة، فإن هذا القرار يوشك أن يغير كل قواعد الصراع السوري، وستكون له تداعياتٌ مهمةٌ على مجمل الوضع السياسي والاستراتيجي في المنطقة، وعلى علاقات أطراف الصراع ببعضها.
واقع الحال أن ترامب قلبَ، بحركةٍ واحدة، ومن دون أن يعي ذلك بالضرورة، كل التحالفات والعلاقات والموازين بين أطراف الصراع السوري، وأعاد بعضها إلى حيث كانت مع بداية الأزمة. ففيما يتعلّق بالحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، قرّر ترامب، على ما يبدو، أن الوقت حان للنزول عن ظهر الحصان الكردي، واستبدال التركي به. وعلى الرغم من تحفّظ المؤسسة العسكرية، يكون ترامب، بتخلّيه عن الأكراد، قد استعاد ثقة تركيا، وعاد إلى الاعتماد عليها في التأثير بنتيجة الصراع السوري، ومنع روسيا وإيران من الاستفراد بكتابة فصوله الختامية. وستكون لهذا التغيير تداعيات كبرى على الخطط الروسية التي راهنت سنوات على إمكانية إبعاد تركيا عن الغرب، وتفكيك تحالفها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو). وسيلقي كذلك بظلاله على التفاهمات الروسية التركية، سواء المتعلقة بإدلب، أو تلك الخاصة بالحل السياسي في سورية (أي مجمل مسار أستانة، وتفاهمات سوتشي التي بدأت مع التقارب الروسي - التركي أواخر عام 2016).
وفيما تعود تركيا إلى تحالفها التقليدي مع واشنطن، تعود وحدات حماية الشعب الكردية، هي الأخرى، إلى قواعدها القديمة التي خلخلتها الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، أي تعود إلى الحضن الروسي، بحكم انتمائها القديم اليساري - الماركسي، بعد فترة عناق قصيرة، قضتها في الحضن الأميركي. ستتبيّن في الفترة المقبلة تداعيات هذه التغييرات المهمة على الصراع في الشمال السوري، في شرق الفرات ومنطقة إدلب. ماذا عن إيران؟ بمقدار ما يثير الانسحاب الأميركي ارتياحاً لديها، إلا أنه يزيد من مخاطر مواجهتها مع إسرائيل في سورية. هذا يعني، بنظرة عامة، أن ترامب أوكل مسؤولية القضاء على بقايا تنظيم الدولة الإسلامية إلى تركيا، فيما ترك إسرائيل تتولّى مهمة احتواء النفوذ الإيراني في سورية. أما روسيا فعليها أن تدبّر رأسها وسط هذا الصراع، حكماً فيه أو خصماً. هل قصد ترامب الوصول إلى هذه النتيجة؟ الأرجح أنه لم يفكر بشيءٍ من هذا، لكن النتيجة جاءت متوافقة، في نهاية المطاف، مع استراتيجية "أميركا أولاً"، وتحميل الآخرين أكلاف المواجهة!