سيناريوهات سورية متوقّعة

22 ديسمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

من المبكّر جداً توقّع كيف ستسير مجريات الأحداث في سورية، بعد سقوط نظام بشّار الأسد، وكيف ستؤثر هذه المجريات على الوضع العربي عامة، لا بل والوضع الإقليمي، بالنظر إلى أهمية سورية من الأوجه كافة، كونها دولة مفصلية في المنطقة، ولما يجري فيها انعكاساته في محيطها.

على خلاف التوقّعات السابقة من أن التحوّل في سورية، من النظام الذي كان قائماً إلى ما بعده، سيكون دموياً، فإن لحظة سقوط نظام الأسد مرّت بسهولةٍ نسبيّاً، وساعد في ذلك أنّ النظام قد تهاوى من داخله، وفقد أوجهاً رئيسيةً من الدعم التي كانت تقدّم له من حلفائه، إقليمياً ودولياً. وبعد مرور حوالي أسبوعين على سقوط هذا النظام، يقدّم الخطاب المرسل من القيادة الجديدة، على لسان وجهها الأبرز أحمد الشرع، تطمينات إلى الداخل والخارج، حول طبيعة الخطاب السياسي المنتظر من دمشق الجديدة، وسط مخاوف ليست خافية، أولاً من قطاعاتٍ واسعةٍ من المجتمع السوري المعروف بتنوّعه الطائفي والمجتمعي، وتراثه الثقافي - الاجتماعي المنفتح، من أن يفرض على سورية نظام إسلاموي متشدّد، يتسق مع خطاب الجماعات الإسلامية المسلحة المناوئة للنظام السابق، وكان لها دور في إسقاطه. أما على صعيد الإقليم، ومن واقع تجارب سابقة، في مصر وتونس وسواهما غداة أحداث عام 2011، فهناك خشية من إعادة "تصدير" ما جرى في سورية إلى بلدان عربية أخرى.

في التعامل مع هذه الخشية الإقليمية، العربية تحديداً، أكثر الشرع من القول إنّ أولويته ستكون سورية داخلية، وإن الغاية هي تأمين استقرار سورية وعودة المهجّرين، والنهوض بوضع البلد. وبالغ أكثر مما ينبغي في طمأنة إسرائيل من أنّ الدخول في مواجهتها ليس مطروحاً في أجندة القيادة الجديدة، كون سورية منهكة من الظروف الصعبة التي عانت منها بسبب سياسة النظام السابق، رغم احتلالها (إسرائيل) أراضي سورية استراتيجية مباشرةً بعد سقوط الأسد. أما في التعامل مع الخشية الداخلية، فقد سعى، أيضاً، إلى الطمأنة، من خلال مفردات خطابه التي نأت، قدر الإمكان، عن الخطاب المعتاد من الجماعات الإسلامية الآتي هو منها، بالنظر إلى تاريخيه، الحزبي والسياسي المعروفين. وتنال هذه الطمأنة رضى ملحوظاً عند المتخوفين، رغم أنّ الأمر لا يخلو من ممارسات متفرّقة، تبثّ على وسائل التواصل، تظهر أنّ الطبع يغلب التطبّع، ما يتطلب تدابير فعلية وصارمة من القادة الجدد تقرن تطميناتهم بالأفعال الملموسة.

سورية اليوم في مرحلة مخاض حاسم. الاحتمالات مفتوحة على مصراعيْها، وبينها الاحتمالات السلبية أو السيئة، والتي قد لا تنجُم بالضرورة من سلوك القادة الجدد، أو من سلوكهم وحدهم، وإنما من تضارب الأجندات الدولية والإقليمية تجاه المستقبل السوري. لقد تلقّت إيران ضربة كبيرة بسقوط الأسد، ووجدت نفسها مكرهةً على مغادرة سورية، وليس واضحاً بعد ما إذا كانت هذه الخسارة قد أفقدتها كلياً أي هامش للمناورة. وتختلف التفاصيل بالنسبة لروسيا، الداعم الدولي الأكبر لنظام الأسد، التي أظهرت براغماتية واضحة في التعامل مع مستجدّات ما بعد سقوطه، وسط تطمينات القيادة الجديدة لها بشأن وضع قاعدتيْها العسكريتين على الساحل السوري، ولو مؤقتاً، ربما بطلب تركي، كون أنقرة حلّت محل طهران في التأثير على القرار السياسي في دمشق، بل وأصبحت اللاعب الإقليمي الأكثر نفوذاً فيها، خاصة وأن جزءاً من الأراضي السورية هو، فعلياً، تحت سيطرتها منذ سنوات، وبات الطريق ممهّداً لها أكثر للسيطرة على مزيدٍ منها في نطاق مواجهتها خصومها الكرد، الذين يحظوْن، بدورهم، بغطاء أميركي، ليس واضحاً بعد كيف سيتعامل معه الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

تحمل هذه الشبكة من التناقضات والتقاطعات محلّلين إلى عدم استبعاد سيناريوهات باعثة على الشؤم، من أن تجد سورية نفسها أمام سيناريو مشابهٍ للذي مرّت وتمرّ به ليبيا، خاصة على خلفية التعدّد الطائفي والإثني في البلد، ما قد يؤدّي إلى تفكّكها.

سيناريو مثل هذا ليس غاية قادة دمشق الجدد ولا في مصلحتهم. وكل الحريصين على مستقبل سورية والأمن في الإقليم مطالبون بالعمل على تفاديه، وهذا أمرٌ ممكنٌ جداً، لو تضافرت الإرادات. تتطلب مواجهة التحدّيات الحقيقية الكبيرة والتصدّي لها حكمة وبُعد نظر من جميع المعنيين. وبالطبع، تقع المسؤولية الأكبر على عاتق أصحاب القرار الجدد، الذين عليهم أن يدركوا أن المرحلة المقبلة أصعب بكثير مما سبقها.

كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها
حسن مدن
كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها.