ما بعد حكم الأسد

15 ديسمبر 2024

سوري يلوّح بعلم الثورة السورية في ساحة الأمويين وسط دمشق (11/12/2024 فرانس برس)

+ الخط -

كان من المتعيّن أن يسقط حكم الرئيس السوري السابق بشار الأسد في عام 2011، شأن رؤساء عرب آخرين في المشرق والمغرب العربيين: زين العابدين بن علي، حسني مبارك، معمّر القذافي، علي عبدالله صالح، في موجة السقوط المدوي يومذاك. توفّر للأسد ما لم يتوفر لسواه من أوجه دعمين، إقليمي ودولي، فرضها موقع سورية الجيوستراتيجي المهم جداً بالنسبة للداعمين. يمكن وصف ما جرى في سورية، أخيراً، بأنّه النسخة المؤجلة من أحداث 2011.

أكثر من عقد مرّ. متغيّرات كثيرة وازنة جرت في الجوار وفي العالم. روسيا انشغلت بالحرب في أوكرانيا وتغيّرت لديها، بالتالي، الأولويات. صحيح أنّ وجود قواعدها على الساحل السوري مهمّ لها، لكن لا مقارنة بين هذا الوجود ونفوذها على حدودها مع دول حلف الناتو. ونتج عن زلزال 7 أكتوبر (2023) تبعات حاسمة، قلبت المعادلة في المنطقة أو كادت، خاصة مع شنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان مستهدفة البنية التحتية لحزب الله، وقادته، وفي مقدّمتهم أمينه العام حسن نصر الله، ولم يعد الحزب المنشغل بالدفاع عن نفسه في وجه عدوان إسرائيل أن يظلّ، كما كان، سنداً قوياًّ لنظام الأسد في وجه المعارضة المسلحة، المدعومة، هي الأخرى، إقليمياً، من تركيا خاصة.

ليست المستجدّات الدولية والإقليمية السبب الوحيد الذي أدّى إلى ما وُصف بالسقوط السريع لحكم الأسد، وهو سقوطٌ فاجأ خصومه ومعارضيه قبل أن يفاجئ حلفاءه ومناصريه، فلقد كان للعامل الداخلي دور حاسم في ما جرى. أصيبت المؤسّسة العسكرية والأمنية للنظام بالوهن الشديد، بسبب انهيار المعنويات واستشراء الفساد، وسيادة الشعور بلا جدوى الدفاع عن نظام متهاوٍ فاقدٍ للشرعية، كان بوسعه تفادي السيناريو الأسوأ لو أنه مكّن من بدء حوار وطني ربما وفّر على سورية معاناة ثقيلة.

هذا ما يفسر حال البهجة الحقيقية التي عمّت سورية من أقصاها إلى أقصاها بعد سقوط حكم الأسد، بما في ذلك في المناطق الساحلية، ذات الأغلبية العلوية، التي جرى تصويرها، ظلماً، مؤيدة للأسد، ولكنها دفعت، كسواها، ضريبة الوضع المأزوم في سورية، وفي بعض الأوجه كانت ضريبتها أكبر من سواها، ولم تحل الخشية من سيناريو مجيء حكم إسلامي متشدّد في سورية، حكما من تجارب عربية وغير عربية أخرى، لدى قطاعات ليست قليلة من السوريين، من التعبير عن فرحهم الغامر بسقوط حكم الأسد، الذي عانى من حكمه الجميع، إذا ما استثنيت البطانة الضيقة المحيطة به.

من حقّ السوريين بتكويناتهم كافة أن يفرحوا بنهاية الديكتاتورية. والآن؛ بعد الفرحة تأتي الفكرة. فالنضالات والتضحيات التي أدت إلى سقوط حكم الأسد العائلي الذي استمرّ أكثر من نصف قرن، يجب أن تفتح لسورية أفقاً آخر، لا يعيد إنتاج أيٍّ من صور الديكتاتورية، عسكرية أم إسلاموية، فسورية بعمقها الحضاري وموقعها الاستراتيجي، وما هي عليه من تنوّع في الأديان والطوائف والاتجاهات، لا يليق بها سوى نظام ديمقراطي، علماني بالضرورة، قاصدين هنا تحقيق الفصل بين الدين والدولة، وهي أهلٌ لأن تشكّل نموذجاً نحتاجه عربياً، بعد أوجه الإخفاق والفشل الكثيرة التي رأيناها ونراها.

يُرسل من أصبحوا في موقع القرار في دمشق اليوم تطمنياتٍ حول ذلك، لكنهاغير كافية. يكتب سوريون كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي مشيدين بتلك التطمينات، ولكنهم يطالبون بأن تقترن الأقوال والأفعال. مُعلقة على التطمينات التي توجّه إلى المسيحيين في سورية، كتبت الشاعرة السورية رشا عمران على حسابها على "فيسبوك"، متسائلة: "لماذا يحدُث التطمين للأقليات كما بطلقون عليها ولا أحد يطمئن الأكثرية؟ هل يعتقد أي شخصٍ مثلا أن سنّة سوريى هم كتلة متجانسة ومتشابهة، وبالتالي يناسبها كلها شكل الدولة الذي يتكلمون عنه فلا يحتاج منها أحد إلى تطمين؟"، ويبدو لنا أن هذا القول هو لسان حال كثيرين وكثيرات جداً في سورية اليوم.

لا يمكن أن نختم هذا المقال من دون الوقوف عند الحيرة الناشئة عن الصمت الغريب، من ماسكي القرار اليوم في دمشق، تجاه الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على سورية، والتي لم تبدأ الآن فقط، ولكنها ازدادت في الأيام الماضية، بل بلغ الأمر حدّ احتلال مساحاتٍ شاسعة من الأراضي السورية، من دون أن نسمع ولو كلمة إدانة؟

كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها
حسن مدن
كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها.