سيناريو سوري في العراق

27 يونيو 2014

مقر معلن لتنظيم داعش في حلب (يناير/2014/فرانس برس)

+ الخط -


يبدأ اليوم رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، من حيث وصل الرئيس السوري، بشار الأسد. وتصريحه، أخيراً، بشأن رفضه تشكيل حكومة توافق وطني مشتق من مواقف الأسد في سنة 2011، عندما أصمَّ أذنيه تجاه الوساطات والمبادرات والحلول السياسية كافة، ووضع قاعدة تقوم على رفض أي تنازل لمطالب الشارع، ولجأ إلى السلاح خياراً وحيداً، منطلقاً من أنه الرئيس الشرعي، بينما نسب مطالب السوريين في الإصلاح إلى المؤامرة والجماعات الإرهابية.
ومن يتأمل المشهد العراقي، يجد تحولاته تسير في مسار مشابهٍ للحالة السورية، منذ بدايات الثورة التي انطلقت سلمية، لكن عنف أجهزة الأسد استدرجها إلى كمين السلاح. وليس سراً أن العراقيين ظلوا، منذ بداية 2013، ينتظرون من المالكي أن يلبي مطالب مشروعة، لكنه رفض وعاند وكابر وضرب موعداً من خلال صناديق الاقتراع، ولم يحصل على أكثرية تؤهله لولاية ثالثة. ومع ذلك، أصر على البقاء في الحكم، وهو ما أخرج الشارع المعارض له عن طوره، ودفعه إلى حمل السلاح.
ما يجري، اليوم، في العراق، شبيه بما حصل في سورية في بداية سنة 2013، عندما كان "تنظيم القاعدة" ممثلا بـ"جبهة النصرة" يشكل أقلية في عداد الفصائل المسلحة، وحين وضعته واشنطن على لائحة المنظمات الإرهابية، التقط الأسد الرسالة، وأخذ يعمل على تسمينه، لكي يتحول إلى وحشٍ كاسر يبرر له الاستمرار في الحرب المجنونة ضد المدنيين العزل، لضرب الحاضنة الشعبية للثورة، ورفض أي حل سياسي. وهذا ما حصل فعلاً، حيث باتت "داعش" تسيطر على مساحات واسعة من الأرض التي استعادتها المعارضة المسلحة من النظام، وهي آخذة في التمدد كل يوم، لتصير القوة العسكرية الأولى في سورية. وإن كان لهذا التطور من نتائج أبعد من نعي الثورة السورية، فإنه بدأ يدفع قطاعاتٍ واسعةً من الشعب السوري نحو التسليم الاضطراري للنظام، كما أنه أعطى مبرراً للقوى الغربية للانسحاب من أي دعم للشعب السوري. وما تصريح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في القاهرة إلا علامة مهمة على هذا الطريق، فهو دعا صراحة الأطراف العربية والدولية التي تدعم المعارضة السورية المسلحة إلى التوقف عن ذلك، وشمل في كلامه "حتى المعتدلة منها"، وهذا يعني أنه يقصد، بلا مواربة، ما بقي من "الجيش الحر" الذي حاول طوال عام أن يحافظ على المعنى المدني الرمزي للثورة السورية، قبل أن تحولها الأطراف الإسلامية إلى فوضى عارمة، يختلط فيها الدين بالتطرف، والطائفية مع "بزنس" أمراء الحرب.
يمكن قراءة مستقبل الوضع العراقي من النهايات التي آلت إليها الثورة السورية. وفي وسع أي مراقب أن يحكم، اليوم، من دون أي حرج، بأن الأسد حقق مخططه لتحويل الثورة السورية إلى حرب تدور بينه وبين تنظيمات إسلامية، تشكل "القاعدة" القوة الرئيسية فيها، وهو، بذلك، يتقدم خطوة كبيرة على طريق إعادة تأهيل نفسه، شريكاً للقوى الغربية في "الحرب على الإرهاب"، وفق المفهومين الأميركي والروسي.
لن يجد نوري المالكي أفضل من هكذا مخرج، لاسيما أن الاعلام الغربي لا شاغل له، منذ أسبوعين، غير الحديث عن مخاطر نشوء دولة "داعشستان" التي ستمتد من حدود حلب حتى حدود بغداد. وفي كل يوم، تقدم الماكينة الغربية مبررات للمالكي، لكي يسوّق نفسه بوصفه قائد "الحرب على الإرهاب". وبالنسبة للمالكي وحلفائه في إيران، يعد سلوك هذا الطريق أفضل على المدى الطويل، طالما أنه يعيد تثبيت سيطرته، لكن النتائج غير مضمونة في جميع الأحوال، فقبله ظن الأسد أن إنهاء الحراك الشعبي سيكون مسألة أيام، لكنه انتهى إلى خيار شمشوني.


 

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر