20 نوفمبر 2024
شرعية مرسي وقوات مكافحة الاصطفاف
مرة أخرى: يشير هذا التصعيد الجنوني من نظام عبد الفتاح السيسي إلى أن المقصود هو رفع سقف الابتزاز إلى حدود غير منطقية، بحيث عندما تبدأ عملية الهبوط إلى موائد التفاوض، تتحصل على ما تريد من مكاسب.
التسريبات الخاصة بجهود كشفت عنها الصحافة التركية تتعلق بعرض أنقرة نقل الرئيس محمد مرسي إلى تركيا، وعدم تطبيق حكم الإعدام الصادر بحقه. لو صحت، فإنها تكون أشبه بعملية "قتل رحيم" لحراك ثوري، ينطلق من الدفاع عن قضية نبيلة وعادلة، وتنزع عما يدور على الأرض في مصر صفة الثورة، وتمنح اعترافا مجانيا بانقلاب عبد الفتاح السيسي، وتوفر لجنون الإعدامات غطاء قانونيا.
خطورة السيناريو المسرب تنبع من أنه يأتي من صحيفة تركية محسوبة على الحزب الحاكم، ومقربة من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان قد جدد، قبل يومين، تأكيده على أن الرئيس الشرعي لمصر، بالنسبة له، هو الدكتور محمد مرسي الذي جاء بانتخابات ديمقراطية، وليس السيسي الانقلابي.
وعلى الرغم من ذلك، لم يصدر رد دبلوماسي تركي، رسمي، على هذا السيناريو الذي يبقى، حتى اللحظة، مجرد اجتهاد صحافي، ما يفتح المجال واسعا للتكهنات والتخرصات.. خصوصاً أن الخبر المنشور يقحم كلا من الدوحة والرياض في هذا السيناريو، الأقرب إلى الصفقة، الأمر الذي دفع الخارجية القطرية إلى نفي أية صلة لها بالموضوع، حسب التقرير المنشور أمس في "العربي الجديد".
وأزعم أن الصمت من جماعة "الإخوان" أمام هذه السيناريوهات يشكل خطرا شديدا على هذا الصمود المتحقق في الشوارع على مدار عامين، فضلا عن كونه يمثل إهانة بالغة للشهداء والجرحى والأمهات الثكالى، والصغار الذين يتّمهم الانقلاب مبكرا، والأخطر أنه ينزع الثورية عما هو قائم، ويحدث تصدعات هائلة داخل صفوف مناهضة الانقلاب، ويحرج الرئيس المخطوف نفسه، ويجرح شرعيته.
"اوعوا الثورة تتسرق منكم، بأي حجة، والحجج كتير"، كانت تلك رسالة الرئيس محمد مرسي الأخيرة، قبل أن يختطفوه، ويقتادوه إلى غيابة الأسر، تحدث فيها عن الثورة، قبل أن يعرّج على شرعيته، رابطا بينها وبين ثورة يناير بالقول "ثورة 25 يناير وتحقيق أهدافها كاملة، والحفاظ على الشرعية، ثمن الحفاظ عليها حياتي".
إذن، ليس الكلام عن استعادة ثورة يناير بدعاً، أو تجديفاً، كما تهرف "قوات مكافحة الاصطفاف" التي يسيل لعابها، وتطلق سبابها، كلما رصدت جهداً يحاول العودة إلى الكيمياء السياسية والاجتماعية التي أنتجت تفاعل يناير 2011، والذي لولاه، لما كان محمد مرسي رئيسا للجمهورية، وما كان محكوماً بالإعدام.
إن أي محاولة للفصل بين ثورة يناير، كمبتدأ، وشرعية مرسي، كخبر، تعني مباشرة التخلي عن الاثنتين معاً، وتؤدي إلى منح النظام الحالي شرعية، هو نفسه يدرك أنه لا يستحقها، ولا يستطيع الحصول إلا على "شرعية الأمر الواقع" التي تفتقر لأي أساس أخلاقي أو قانوني، بل تقوم على فرض أوضاع بالقوة، تماما كما الحال مع سلطات الاحتلال.
شهدت الفترة الماضية ارتفاع أصوات التكفير والتخوين مجدداً، على نحو يذكّر بتلك الأجواء التي كانت سائدة، إبّان حكم المجلس العسكري، فلا يأتي أحد بطرح جديد، واقتراح مغاير، حتى يجد نفسه بين أنياب نابية، وأشداق تسكب عبارات زاعقة فارغة من أي مضمون، لا تقيم نقاشا، بل تنسف حواراً جاداً، وتقطع طرقا يمكن أن تصبح جسورا للعودة إلى الثورة.
والمفارقة أن الأصوات الزاعقة والناعقة التي "تهب" في وجه كل من يتحرك خطوة في اتجاه لملمة الشتات الثوري اختفت وتوارت تماما، مع الإعلان عن السيناريو الغريب، في صحيفة "تقويم" التركية، على الرغم من أن القبول به يعني انتحارا للشرعية، وللثورة، معا.
قال مرسي إن ثمن الحفاظ على الشرعية هو حياته، ولم يقل إن ثمن حياته هو الشرعية.. ولا أتصور، أبداً، أن مثل هذا السيناريو المفخخ يمكن أن يكون مقبولا، أو ينهض حلا للأزمة، بل يقتلها ويجهز عليها.