صفقة اجتماعية في المغرب
توصلت الحكومة المغربية والمركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، نهاية الأسبوع المنصرم، إلى اتفاق اجتماعي، يقضي برفع الحد الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات بنسبة 10%، على سنتين، ابتداء من مطلع السنة المقبلة، وتوحيد الحد الأدنى للأجور بين قطاعات الصناعة والتجارة والفلاحة والمهن الحرّة. وفي القطاع العام، جرى الاتفاق على رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3500 درهم (350 دولارا)، و''التزام الحكومة'' بتخفيض الضريبة على الدخل، وزيادة قيمة التعويضات العائلية، فضلاً عن مقتضياتٍ أخرى تهم خفض كلفة الأجر الخاص بعمّال وعاملات المنازل، والقانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب، ومراجعة مدوّنة الشغل، وآليات مأسسة الحوار الاجتماعي. وإلى غاية الساعات الأخيرة التي سبقت التوقيع على الاتفاق، كانت المؤشّرات تشير إلى رفض النقابات الاتفاق، لأنه لا يرقى إلى تطلعات الطبقتين العاملة والوسطى قبل أن تغير موقفها، بعدما نجحت الحكومة، في ما يبدو، في إقناع القيادات النقابية بالتوقيع على الاتفاق. وبالتوازي مع ذلك، كان لافتا، تزامن الاتفاق مع إقدام الحكومة على زيادة دسِمة في مبلغ الدعم الذي تقدّمه للمركزيات النقابية بنسبة 30%، فيما اعتبره بعضهم صفقة اجتماعية لا تخلو من دلالات سياسية، لا سيما أن هذا الدعم لم يكن مدرجا في مفاوضات الطرفين، على ما ذهبت إليه مصادر نقابية مطلعة من داخل الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
يعيد اتفاق 30 إبريل/ نيسان 2022 إلى الواجهة المسألة الاجتماعية في المغرب والكيفيات التي تأخذ بها السلطةُ والنخبُ والنقاباتُ في تدبير توتراتها الحادة. ويكاد هذا الاتفاق لا يخرج عن الإطار العام الذي وضعه التصريح المشترك الذي وقعته حكومة عبد اللطيف الفيلالي (الثانية) والنقابات وأرباب العمل في فاتح أغسطس/ آب 1996، والذي ساعد على توسيع قاعدة التوافق بين الملك الراحل الحسن الثاني وأحزاب المعارضة المنحدرة من الحركة الوطنية، ووضع قواعدَ لعبة جديدة للتفاوض داخل الحقلين، النقابي والاجتماعي، ما أفسح المجال أمام إدماج قطاع عريض من هذه المعارضة داخل أجهزة السلطة، من خلال حكومة التناوب التي قادها زعيم الاتحاد الاشتراكي الراحل عبد الرحمن اليوسفي بين سنتي 1998 و2002.
ومنذ تنصيبها مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما فتئت حكومة عزيز أخنوش تواجه تحدّيات اجتماعية جسيمة، أبرزها تداعياتُ جائحة كورونا والجفافُ والارتداداتُ الاقتصاديةُ للحربِ الروسية الأوكرانية ومخلفاتُ السياسة الاجتماعية لحكومتي حزب العدالة والتنمية السابقتين التي أجهزت على مكتسباتٍ كانت تتمتع بها شرائح واسعة. وفي وقتٍ كان يُؤمل من هذه الحكومة أن تنحوَ بسياستها الاجتماعية صوب ما يمكن أن يخفّف، ولو نسبيا، عن الفئات الفقيرة والمتوسطة، وبالأخص بعد الوعود الوردية التي أطلقتها بعض وجوهها قبل الانتخابات التشريعية، لم يأت قانون المالية لهذه السنة بجديدٍ، عدا التقيّد الصارم بتدابير الحفاظ على التوازنات المالية التي يُشكل تقليص الإنفاق العمومي الاجتماعي عنوانها البارز، غير أنّ الحفاظ على هذه التوازنات كان يتطلب حدّا أدنى من السلم الاجتماعي توفره تغطيةٌ تُقدمها النقابات، أو بالأحرى قياداتها، من خلال موافقتها على التوقيع على اتفاق اجتماعي غير مكلف بالنسبة للحكومة.
بالنظر إلى السياق العام الذي يندرج فيه الاتفاق الاجتماعي الجديد، يمكن القول إن الرابح الأكبر منه يبقى حكومة أخنوش، إذ سيمنحها هامشا أوسع لإدارة مخلفات الجائحة وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية بأقل كلفة. وعلى الرغم من ذلك، ينذر صعود فاعلين جدد داخل الحقل الاجتماعي بتحوّلات عميقة في الخطاب النقابي، بعد تزايد أعداد التنسيقيات التي تنشط في القطاعات الاجتماعية الحيوية، والانسداد المقلق الذي وصلت إليه بعض الملفات، وفي مقدمتها ملفَّا الأساتذة المتعاقدين وإصلاح صناديق التقاعد وغيرهما.