عالم بلا كتب عربية
تتخيّل بثينة العيسى، في روايتها "حارس سطح العالم" (منشورات تكوين، الكويت، 2019)، عالماً يكاد يكون بلا كتب، بسبب الرقابة... تسيطر جهة حكومية على الكتب، وتُعدمها في مشهدٍ يُذكّر بإحراق الكتب في برلين في 10 مايو/ أيار 1933، عندما أحرق الطلاب النازيون كل ما اعتبروها كتباً مخالفة للروح الألمانية. ومثلما أدّى تعصّب النازيين وضيق تفكيرهم إلى كارثة، تؤدّي الرقابة على الكتب في رواية بثينة العيسى إلى كارثة. وهي كارثةٌ قد نكون مقبلين عليها في العالم العربي قريباً، ليس فقط بسبب الرقابة، ولكن بسبب الضربات القاسية التي تلقّتها صناعة النشر العربي.
قد لا نجد معلوماتٍ دقيقةً عن حالة النشر العربي إلا دراسة لاتحاد الناشرين العرب صدرت العام الماضي (2021). بحسبها، تمرّ حالة النشر بتراجع ملحوظ في السنوات الأخيرة، فأعلى الدول نشراً هي مصر، نشرت في عام 2019 حوالي 23 ألف كتاب، في زيادة طفيفة عن العام 2018، وتراجع أكبر عن العام 2017. بينما دول مثل السودان نشرت حوالي 800 كتاب، وموريتانيا نشرت 500 كتاب. ونشر العالم العربي كله ما مجموعه حوالي 70 ألف كتاب في 2019.
وهذا يسبق عام الزلزلة في 2020، حيث وجّهت جائحة كورونا ضربةً قويةً لحركة النشر، وأدّت إلى توقف المعارض، وأصابت الناشرين بخسائر لم يتعاف أغلبهم منها بعد مرور عامين على الكارثة. لهذا، ناقش مؤتمر الناشرين العرب في الشارقة في الأسبوع الماضي قضية "تداعيات أزمة كورونا على صناعة النشر". .. بانتهاء الجائحة، واجهت حركة النشر مشكلة أخرى، هي الأزمات الاقتصادية في البلدان التي كان لها تاريخياً النصيب الأكبر في عملية طباعة الكتب، مصر ولبنان مثلا، فأدى ارتفاع أسعار الورق وتراجع العملة المحلية إلى ارتفاع أسعار الكتب، ما أضعف حركة الشراء، واضطرّت دور نشر عديدة لتخفيض إنتاجها أو الخروج من السوق.
تأتي معاناة الناشرين هذه فيما تزدهر عملية قرصنة الكتب، وتنتشر النسخ المجانية عبر الإنترنت. فبينما يشكو كاتب وناشر من أن كتاباً لم يوزّع أكثر من مئات النسخ في المكتبات، نجد مواقع القرصنة تعلن أن الكتاب المعني جرى تحميله مئات آلاف المرّات! وبرغم أنف كل قوانين الملكية الفكرية، تنتشر عمليات القرصنة والتزوير في العالم العربي مهدّدة مملكة النشر القانوني. والعجيب أن النسخ المزوّرة لا تباع عادة للجمهور بسعر يقل عن النسخ القانونية، لكنها تلقى رواجاً رغم ذلك! في المقابل، قد يبدو الأمل معقوداً على ظهور مراكز نشر جديدة في الخليج العربي. حيث تمتلك الحكومات مقدرةً على دعم عملية صناعة الكتاب وتعزيزها. ولديها إمكانية لمواجهة عملية القرصنة، على الأقل داخل حدودها. وهو دعم وإمكانية تعجز عنهما حكوماتٌ عربيةٌ أخرى، تواجه مشكلات اقتصادية في توفير احتياجاتها الأولية، والتي لا تضع بينها الكتب في أي حال.
قد يكون اتجاه عملية النشر شرقاً ناحية الخليج العربي طوق النجاة الأخير للكتاب العربي. لكنه، بالتأكيد، ليس الحل الأمثل، وإن كان المتاح، فتوطين النشر في البلدان كافة، ودعم الطباعة المحلية هو ما يعزّز الثقافة، ويسهل توفير الكتب للقرّاء، لكنه حلّ يبدو عسيراً في ظل الظروف الحالية. وهي ظروف قد لا تتغير في القريب المنظور...
الأزمة التي تواجهها صناعة النشر العربي تهدّد باختفاء كتب المحتوى العربي، القليلة. وما لم يتم الوصول إلى حلول لمواجهتها، سنجد أنفسنا قريباً في عالمٍ بلا كتب عربية.