عبّاس وحسين الشيخ .. الإشاعة وغياب الشفافية
من أهم الدروس في عالم الصحافة عدم الانجرار وراء الشائعات، وخصوصاً إشاعات وفاة شخصية معروفة. ومن شروطٍ وضعتها لنفسي، قبل نشر معلومة عن وفاة شخصية عامة، ضرورة أن يكون الخبر مستنداً إلى بيان من جهة رسمية، أو شخص مقرّب جداً من المتوفى، والشرط الأهم ضرورة معرفة اليوم والساعة والدقيقة للوفاة. في غياب تلك الشروط، من المفترض أن يمتنع الصحافي عن النشر.
للأسف، وقع صحافيون ومحرّرون عديدون في فخ النشر المبكّر. ورأينا وسائل إعلام كبرى تقع في ذلك الخطأ في الأيام الأخيرة للرئيس ياسر عرفات والملك الحسين، والآن يقع بعضهم في الخطأ نفسه في ما يتعلق بالرئيس محمود عبّاس. وتكرار الخطأ مسؤولية الصحافي ووسيلة الإعلام، ولكنه يعكس، في منطقتنا، سياسة الكتمان بشأن مرض الرؤساء والملوك والأمراء والحالة الصحية لهم. والأمر نفسه ينطبق حتى في الحياة العادية. ففي مجتمعنا الشرقي، يُلاحظ أيضاً العزوف نحو السرّية والكتمان في موضوع الأمراض الخطيرة، تشمل أحياناً الكتمان أو التضليل، حتى على المريض الذي يجري إخفاء وضعه الطبي عنه "كي لا ينهار نفسياً"!
لا بد من التغلب على هذه الظاهرة، في الشأن السياسي، باعتماد الشفافية، في ما يتعلق بكل مراحل الحالة الصحية للمسؤولين، لأن ذلك من حق المواطن. طبعاً، هناك خط رفيع بين حق الجميع، بمن فيهم الرؤساء بالأمور الخاصة، وحق الشعب في معرفة عامة للوضع الصحي للمسؤول الذي يمثله، وما إذا كان يصعب على الأخير تأديته مهامه، وما إذا كان يتطلب العمل على إيجاد من يخلفه.
الوضع في الحال الفلسطيني أكثر تعقيداً، بسبب غياب العملية الديمقراطية الداخلية والخارجية. الأحزاب والفصائل لا تمارس الديمقراطية الداخلية، كما وقد اختارت القيادة الفلسطينية التهرّب من الاستحقاق الانتخابي العام منذ سنوات. الرئيس محمود عبّاس منتخب منذ عام 2015، ولم تجرِ العودة إلى الشعب لتجديد المنصب. وينطبق الأمر نفسه على المجلس التشريعي المنتخب عام 2016. وقد كان الفلسطينيون على وشك انتخابات عامة قبل عام ونيّف، إلا أنها ألغيت، بحجة عدم السماح للمقدسيين بالتصويت، فيما سبب الإلغاء، باعتقاد كثيرين، تخوّف الفصيل المسيطر من خسارة في صندوق الانتخاب.
موضوع من يرأس السلطة الفلسطينية أمر يعود للشعب الفلسطيني، لا للرئيس أو حركة فتح أو غيرهما
ويزداد الحال الفلسطيني أيضاً تعقيداً، بسبب الضبابية في موضوع الانتقال السلس في حال غياب الرئيس، فالقانون الأساسي يحدّد أن رئيس المجلس التشريعي يتولى منصب الرئيس ستين يوماً، يجري خلالها انتخاب رئيس جديد. لكن المجلس المنتخب عام 2016 حُلَّ، ولذلك فإنه غير معروف من سيكون الرئيس المؤقت، إن تعذّر قيام الرئيس بمهامه. ويرى قانونيون أن المجلس الوطني هو الذي انبثقت منه السلطة الوطنية الفلسطينية. وبذلك يمكن رئيس المجلس الوطني أن يملأ هذا الفراغ. والغريب أن رئيس هذا المجلس حالياً، روحي فتّوح، هو نفسه من كان رئيساً مؤقتاً للسلطة عام 2004 بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات. فهل سيتولى فتّوح، وهو عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، المنصب مرة أخرى، في حال عدم قدرة الرئيس الحالي على إتمام مهامه اليومية.
نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) خبراً مقتضباً، عن أن الرئيس عبّاس، بسبب وضعه الصحي، أوكل بعض مهامه الرئاسية إلى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، المكلَّف منصب أمين السر، ثم نفى الأخير بشدّة أن يكون الرئيس يعاني صحياً، وسحبت "بي بي سي" الخبر. لكن حسين الشيخ عزف عن الإجابة عن سؤال صحافيين له عمّا إذا كان قد نُقل بعض الصلاحيات الرئاسية إليه. وقد نشرت وسائل الإعلام الرسمية بعد ذلك لقاء المبعوث الأميركي هادي عمر في رام الله مع وفد فلسطيني برئاسة حسين الشيخ، فهل يعني ذلك فعلاً أن بعض المهام الرئاسية نُقلت إليه؟
يجب التعامل مع موضوع صحة مسؤول بشفافية، مع مراعاة الخصوصية لكل إنسان. لكن موضوع من يرأس السلطة الفلسطينية أمر يعود للشعب الفلسطيني، لا للرئيس أو حركة فتح أو غيرهما. فهل سيُعطى المواطن الفلسطيني هذا الحق، إن تعذّر إكمال الرئيس مهامه؟