عربٌ لم يحلُم بهم نتنياهو
العقيدة الأساسية الحاكمة للإدارة الأميركية في مرّ العصور هي حماية الكيان الصهيوني، يتنافس في ذلك الديمقراطيون والجمهوريون، لا فرق هنا بين صفاقة دونالد ترامب الخشنة ودبلوماسية جو بايدن الناعمة، فالشاهد أنّ الجميع يروْن في المشروع الصهيوني امتداداً للإمبراطورية الأميركية.
نظرة سريعة على مجمل الخطاب الأميركي بشأن إسرائيل، استباقاً لزيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن غدا الثلاثاء، تكشف أنّ الشعب الفلسطيني يواجه منذ عشرة أشهر عملية عسكرية أميركية تُنفّذ بأيدٍ إسرائيلية، الأمر الذي يضعنا مرّة أخرى في دهشةٍ من النضال الرسمي العربي خدمةً للصفقة التي تريد كلٌّ واشنطن وتل أبيب فرضها على الجانب الفلسطيني.
من معسكر ترامب إلى معسكر بايدن، لا تخرج النظرة الأميركية إلى الشعب الفلسطيني عن تلك النظرة القديمة للهنود الحمر، الذين جرت إبادتهم، ومحوهم من الوجود، لكي تنجح عملية تأسيس الامبراطورية الأميركية. ولذلك، تنطوي التصريحات الصادرة عن الطرفين المتنافسين على رئاسة الولايات المتّحدة على رغبة في إعادة تجربة محو الهنود الحمر، ولكن المرّة هذه في أرض فلسطين، فها هو بايدن العجوز، الذي يتردّى في خرفه وشيخوخته العقلية، يُكرّر المرّة تلو الأخرى أنّه صهيوني العقيدة والفكر والحلم، أمّا منافسه ترامب، في خطابه أمس، فقال بالنصّ: "نريد عودة الرهائن. ومن الأفضل أن يعودوا قبل أن أتولّى منصبي، وإلا ستدفعون ثمناً باهظاً للغاية".
الرسالة هنا موجهة إلى من يتحمّسون لما تسمى الوساطة الأميركية من أجل التوصّل إلي صفقة، قبل أن تكون موجّهة إلى المقاومة الفلسطينية وداعميها في لبنان واليمن، وهي رسالة مُعبّرة عن حالة البلطجة التي تمارسها واشنطن على العالم، وتُعلن عدم اعترافها بالقانون الدولي، والمُؤسّسات المعنية بإنفاذه.
يقول وزير خارجية واشنطن في فترة رئاسة ترامب، ومدير مخابراتها السابق، مايك بومبيو، إنّ إسرائيل كانت محمية، وإنّ إيران كانت تخشى أميركا حتّى غادر منصبه في 20 يناير/ كانون ثاني 2020، وهو تصريح يُجسّد خلاصة السياسة الأميركية في المنطقة؛ حماية إسرائيل بترسانة السلاح، ومشاريع الإخضاع بالتطبيع السياسي والاقتصادي العربي معها، وهذا التوجّه لا يختلف عما تعمل من أجله إدارة بايدن الحالية، حتّى لو أدّى بها الأمر إلى إهدار القانون الدولي، والتصرّف مثل عصابة من المستوطنين، وهو ما يظهر في ردّ واشنطن على قرار محكمة العدل الدولية الخاص باعتبار الاحتلال الإسرائيلي فلسطين غير شرعي، فيعلن مُتحدّث الخارجية الأميركية: "نشعر بالقلق من أنّ اتساع نطاق رأي المحكمة سيعقّد الجهود الرامية لحلّ الصراع وتحقيق السلام العادل والدائم الذي تشتدّ الحاجة إليه، والمتمثّل في وجود دولتَين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن".
هذا الوضوح الأميركي يقابله العرب الرسميون بغلق أعينهم وسدّ آذانهم، كي لا يفقدوا نشوة النضال من أجل صفقة نتنياهو، وحدَهم المقاومون في اليمن ولبنان يُعبّرون عمّا تبقى من عروبة تنتصر للشقيق وتتصدّى للعدو، وتحارب الرغبة الأميركية في تحويل العرب جميعاً مُتفرّجين على إعادة إنتاج تجربة الهنود الحمر في أرض فلسطين، وهي الرغبة التي سوف تتأجج مُجدّداً مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ومعه ما عُرِفت بـ"صفقة القرن"، التي يريد فرضها أمراً واقعاً، لتصبح المنطقة العربية كلّها خاضعةً للتاج الصهيوني.
غير أنّ ما يثير الدهشة أنّ من العرب من لا يريد الانتظار حتّى يُصبِح ترامب رئيساً للولايات المتّحدة، ويبدأ ارتداء ملابس القتال من أجل تنفيذ رؤيته للشرق الأوسط، فتشتدّ الحملات ضدّ المقاومة في فلسطين واليمن ولبنان، وتنتعش عملية تجهيز أوراق الاعتماد انتظاراً لزيارة الإمبراطور العائد إلى الشرق العربي. هؤلاء قال عنهم نتنياهو قبل سبعة أعوام "العرب يلتفّون حولنا بشكل لم أكن أتوقّعه في حياتي".