15 نوفمبر 2024
عزيزي المقاتل: الصهيوني في غرفة نومك
ما معنى أن يعلن نظام عبد الفتاح السيسي تراجع سعر الدولار أمام الجنيه المصري في اللحظة التي يبدأ فيها شراء الغاز الطبيعي من الكيان الصهيوني مقابل أكثر من 19 مليار دولار على 15 عامًا بواقع مليار ونص المليار دولار سنويًا؟ ما أفهمه أنك حين تستدين وتقترض من أجل تمويل شراء سلعة بالعملة الأجنبية، فإن تأثيرًا سلبيًا يقع على الاحتياطي النقدي لديك، وهو ما ينعكس تراجعًا في قيمة العملة المحلية. ولكن المفارقة أن الطرف الذي استدان واقترض، حتى التسوّل، أعلن في يوم شرائه السلعة من الطرف الآخر ارتفاع سعر عملته المحلية أمام الدولار، فهل من معنىً لهذا الأمر سوى أن ميزانية الذي استدان لتمويل الشراء لم تتكلف شيئًا من قيمة الصفقة، وأن الأقرب للمنطق هو أنه حصلت على السلعة مجانًا، وربما كان المشتري تابعًا للبائع في السر، وأن الدولارات التي تم ضخها في ميزانية الأول قادمة من الثاني؟
الشاهد أننا بصدد مجموعة من الألغاز الاقتصادية المعقدة تعتري صفقة العار التي وصل بها الكيان الصهيوني إلى داخل كل بيت في مصر، عبر أنابيب الغاز الطبيعي، المسروق من فلسطين ومصر، الأمر الذي يجعل من المسألة شأنًا سياسيًا واختراقًا ثقافيًا واجتماعيا، قبل أن يكون عملية اقتصادية تقوم على حسابات الربح والخسارة.
تختار إسرائيل الإعلان عن ضخ الغاز في 15 يناير/ كانون ثاني بعد أسبوع فقط من يوم ذكرى استشهاد الجندي المصري، سليمان خاطر، مشنوقًا في زنزانته في أثناء محاكمته بتهمة إطلاق الرصاص على فوج صهيوني اقتحم منطقة عسكرية مصرية. وفي اليوم الموافق لذكرى ميلاد جمال عبد الناصر، الذى تضعه أدبيات مرحلة الستينيات وما بعدها عدوًا لإسرائيل، والد خالد جمال عبد الناصر الذي حوكم بتهمة قيادة تنظيم "ثورة مصر" الذي ركّز نشاطه في محاربة كل صور الاختراق الصهيوني، سياحيًا واقتصاديًا وثقافيًا، بكل أشكال المقاومة، المسلحة وغير المسلحة.
تُعلن تل أبيب، من جانبها، أنها تبيع الغاز الطبيعي لنظام عبد الفتاح السيسي، لأغراض الاستهلاك المحلي في السوق المصري، بعد قليلٍ من إعلانها، رفقة اليونان وقبرص، تدشين خط تصدير غاز المتوسط الذي تنازل عنه السيسي لها، إلى أوروبا، فتظهر الحكومة المصرية عاريةً أمام الجميع، بعد أن كذبت وادّعت أنها تشتري غاز الصهاينة لإسالته وإعادة تصديره إلى العالم.
هي الأكاذيب ذاتها الموروثة عن نظام حسني مبارك، عندما قرّر تصدير الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني في بدايات القرن الحالي، تحت زعمٍ، كاذب، بأن لدى مصر فائض من الغاز الطبيعي لا يحتاجه الاستهلاك المحلي، ولا بد من تصديره إلى الخارج، بما فيه إسرائيل.
هذا ما أكّدت عليه المحكمة الإدارية العليا في فبراير/ شباط 2009، وهي توجّه طعنتها إلى صدور المصريين المناضلين ضد بيع الغاز الطبيعي إلى العدو، حين حصلوا على حكم من القضاء الإداري بوقف تصدير الغاز، بعد ملحمة نضالٍ وطنيٍّ قادها الراحل العظيم السفير إبراهيم يسري، تحت مظلة حركة وطنية اختارت لنفسها شعار"لا لنكسة الغاز".
لاحقًا، وبعد أن نجحت إسرائيل في مد أنبوب سياسي اسمه عبد الفتاح السيسي إلى قصر الحكم في مصر، قرّرت المحكمة الإدارية العليا في العام 2017 رفض دعوى البطلان التي أقامها السفير إبراهيم يسري، وشطبها تمامًا، لتفتح الأبواب على مصاريعها أمام الكيان الصهيوني، للتحكّم في الغاز الطبيعي المصري، تصديرًا واستيرادًا.
لم يعد مهمًا هنا السؤال أو الانشغال بمعرفة ما إذا كان لدى مصر فائض من الغاز يسمح بالتصدير، أم أن إنتاجها لا يكفيها، فتضطر للشراء من العدو الصهيوني، فالحاصل أكثر بشاعة، مما نتصوّر، والقادم ربما يكون أكثر رعبًا، لنكتشف، في النهاية، أن مصر وقعت في أسر الكيان الصهيوني، وأن موضوع الغاز لا ينفصل عن موضوع مياه النيل، وربما أفقنا على واقعٍ جديد يتأسّس على مقايضة النهر بالغاز، لتكون المحصلة أننا نحصل على وقودنا الذي سرقته إسرائيل بشرائه منها، ولن نستطيع الحصول على حصّتنا العادلة من مياه النيل إلا إذا امتد، أولًا، إلى الكيان الصهيوني، ثم عاد إلينا مباعًا بالمال وبالإرادة السياسية والكرامة الوطنية.
على أن الخسارة الأفدح من ذلك كله أن إسرائيل نجحت في إنتاج كمياتٍ، ولو محدودة، من سلالة جديدة من المواطن المصري، منزوع الكرامة، معدوم الإحساس بالذات وبالتاريخ، مقطوع الصلة بكل قيمه الأخلاقية والوطنية والحضارية، لا يجد أية غضاضةٍ في أن يكون العدو الذي أسال دماء آبائه وأجداده، واحتلّ أرضه ووعيه ومقدّساته، لا غضاضة في أن يكون المتحكّم في مواقد طعامه وأفران خبزه.
أية هزيمة أكبر من أن يكون هناك مواطن مصري، تمّت إعادة تصنيع وجدانه ووعيه في ورش 30 يونيو/ حزيران 2013 طبقًا للمواصفات الإسرائيلية، بحيث لا ينزعج ولا يغضب أبدًا إذا ما صار الصهيوني واصلًا إلى عقر داره، موجودا في غرفة نومه ومطبخه وحمّامه، يستوي في ذلك المواطن العادي الذي يردد كالببغاء إن العدو هو ثورة يناير والإسلام السياسي، وتركيا وقطر وحركة حماس، بينما الصهيوني صديق وشريك وحليف.. أو العسكري المحارب المقاتل الذي يقبل أن تكون وظيفته الأساسية حماية نظام مدّته إسرائيل في عمق مصر، قبل أن تمدّ أنابيب الغاز في الأراضي المصرية، ويقود مركبةً تعمل بالغاز الصهيوني متوجّهًا لقصف أهالي سيناء، أو إنقاذ المحتل الصهيوني من حرائق مشتعلة.
أي عار، بل أي عُري، يجتاح مصر أكثر من أن يكون حاكمها خادمًا مطيعًا لعدوها التاريخي؟
الشاهد أننا بصدد مجموعة من الألغاز الاقتصادية المعقدة تعتري صفقة العار التي وصل بها الكيان الصهيوني إلى داخل كل بيت في مصر، عبر أنابيب الغاز الطبيعي، المسروق من فلسطين ومصر، الأمر الذي يجعل من المسألة شأنًا سياسيًا واختراقًا ثقافيًا واجتماعيا، قبل أن يكون عملية اقتصادية تقوم على حسابات الربح والخسارة.
تختار إسرائيل الإعلان عن ضخ الغاز في 15 يناير/ كانون ثاني بعد أسبوع فقط من يوم ذكرى استشهاد الجندي المصري، سليمان خاطر، مشنوقًا في زنزانته في أثناء محاكمته بتهمة إطلاق الرصاص على فوج صهيوني اقتحم منطقة عسكرية مصرية. وفي اليوم الموافق لذكرى ميلاد جمال عبد الناصر، الذى تضعه أدبيات مرحلة الستينيات وما بعدها عدوًا لإسرائيل، والد خالد جمال عبد الناصر الذي حوكم بتهمة قيادة تنظيم "ثورة مصر" الذي ركّز نشاطه في محاربة كل صور الاختراق الصهيوني، سياحيًا واقتصاديًا وثقافيًا، بكل أشكال المقاومة، المسلحة وغير المسلحة.
تُعلن تل أبيب، من جانبها، أنها تبيع الغاز الطبيعي لنظام عبد الفتاح السيسي، لأغراض الاستهلاك المحلي في السوق المصري، بعد قليلٍ من إعلانها، رفقة اليونان وقبرص، تدشين خط تصدير غاز المتوسط الذي تنازل عنه السيسي لها، إلى أوروبا، فتظهر الحكومة المصرية عاريةً أمام الجميع، بعد أن كذبت وادّعت أنها تشتري غاز الصهاينة لإسالته وإعادة تصديره إلى العالم.
هي الأكاذيب ذاتها الموروثة عن نظام حسني مبارك، عندما قرّر تصدير الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني في بدايات القرن الحالي، تحت زعمٍ، كاذب، بأن لدى مصر فائض من الغاز الطبيعي لا يحتاجه الاستهلاك المحلي، ولا بد من تصديره إلى الخارج، بما فيه إسرائيل.
هذا ما أكّدت عليه المحكمة الإدارية العليا في فبراير/ شباط 2009، وهي توجّه طعنتها إلى صدور المصريين المناضلين ضد بيع الغاز الطبيعي إلى العدو، حين حصلوا على حكم من القضاء الإداري بوقف تصدير الغاز، بعد ملحمة نضالٍ وطنيٍّ قادها الراحل العظيم السفير إبراهيم يسري، تحت مظلة حركة وطنية اختارت لنفسها شعار"لا لنكسة الغاز".
لاحقًا، وبعد أن نجحت إسرائيل في مد أنبوب سياسي اسمه عبد الفتاح السيسي إلى قصر الحكم في مصر، قرّرت المحكمة الإدارية العليا في العام 2017 رفض دعوى البطلان التي أقامها السفير إبراهيم يسري، وشطبها تمامًا، لتفتح الأبواب على مصاريعها أمام الكيان الصهيوني، للتحكّم في الغاز الطبيعي المصري، تصديرًا واستيرادًا.
لم يعد مهمًا هنا السؤال أو الانشغال بمعرفة ما إذا كان لدى مصر فائض من الغاز يسمح بالتصدير، أم أن إنتاجها لا يكفيها، فتضطر للشراء من العدو الصهيوني، فالحاصل أكثر بشاعة، مما نتصوّر، والقادم ربما يكون أكثر رعبًا، لنكتشف، في النهاية، أن مصر وقعت في أسر الكيان الصهيوني، وأن موضوع الغاز لا ينفصل عن موضوع مياه النيل، وربما أفقنا على واقعٍ جديد يتأسّس على مقايضة النهر بالغاز، لتكون المحصلة أننا نحصل على وقودنا الذي سرقته إسرائيل بشرائه منها، ولن نستطيع الحصول على حصّتنا العادلة من مياه النيل إلا إذا امتد، أولًا، إلى الكيان الصهيوني، ثم عاد إلينا مباعًا بالمال وبالإرادة السياسية والكرامة الوطنية.
على أن الخسارة الأفدح من ذلك كله أن إسرائيل نجحت في إنتاج كمياتٍ، ولو محدودة، من سلالة جديدة من المواطن المصري، منزوع الكرامة، معدوم الإحساس بالذات وبالتاريخ، مقطوع الصلة بكل قيمه الأخلاقية والوطنية والحضارية، لا يجد أية غضاضةٍ في أن يكون العدو الذي أسال دماء آبائه وأجداده، واحتلّ أرضه ووعيه ومقدّساته، لا غضاضة في أن يكون المتحكّم في مواقد طعامه وأفران خبزه.
أية هزيمة أكبر من أن يكون هناك مواطن مصري، تمّت إعادة تصنيع وجدانه ووعيه في ورش 30 يونيو/ حزيران 2013 طبقًا للمواصفات الإسرائيلية، بحيث لا ينزعج ولا يغضب أبدًا إذا ما صار الصهيوني واصلًا إلى عقر داره، موجودا في غرفة نومه ومطبخه وحمّامه، يستوي في ذلك المواطن العادي الذي يردد كالببغاء إن العدو هو ثورة يناير والإسلام السياسي، وتركيا وقطر وحركة حماس، بينما الصهيوني صديق وشريك وحليف.. أو العسكري المحارب المقاتل الذي يقبل أن تكون وظيفته الأساسية حماية نظام مدّته إسرائيل في عمق مصر، قبل أن تمدّ أنابيب الغاز في الأراضي المصرية، ويقود مركبةً تعمل بالغاز الصهيوني متوجّهًا لقصف أهالي سيناء، أو إنقاذ المحتل الصهيوني من حرائق مشتعلة.
أي عار، بل أي عُري، يجتاح مصر أكثر من أن يكون حاكمها خادمًا مطيعًا لعدوها التاريخي؟