عشيّة انتخابات جديدة في تونس
تُنظم في تونس انتخابات المجالس المحلية غدا الأحد، 24 ديسمبر/ كانون الأول، وسط جدل بين أنصار الرئيس قيس سعيّد بشأن توقيت العملية الانتخابية وتخوفات من عزوف المواطنين عن المشاركة وتسجيل نسب ضعيفة على غرار نسب المشاركة في الاستفتاء والانتخابات البرلمانية، ما يزيد من تهرئة مسار 25 يوليو وممثليه، ويفتح الأبواب، مجدّدا، للتشكيك في شرعيتهم.
استعدادات انتخابية باهتة ليس لها أي حضور في الشارع التونسي، رغم أهمية الاستحقاق الذي راهنت عليه البلاد منذ سنوات، في ظل تكريس مبادئ أساسية في مجلة الجماعات المحلية ضمن دستور 2014 من قبيل الحكم المحلي والاستقلالية المالية والتشاركية وخروج البلديات من تحت وصاية وزارة الداخلية والسلطة المركزية، ما يعود إلى أسباب متعدّدة، أولا وأد الحياة السياسية في الدولة والمجتمع، ومحاصرة معارضي "25 يوليو"، وشيطنة النشاط السياسي والحزبي وتشويه مناضليه.
صحيحٌ أن الحياة السياسية الديمقراطية في تونس كانت معطوبة ومتعثرة، ولكنها بما تضمّنته من محامل وآليات وتنظيمات وأنصار، لطالما أسهمت في إدارة المحطّات الانتخابية وإثارة الحوار والأفكار وإيجاد مناخ تنافسي جلي. وقد تسبّبت حالة الانفراد السياسي بالحكم وترذيل أدوار المؤسّسات السياسية الأخرى في انتشار عدوى المواطنة السلبية، والتخلي عن أهم الحقوق والواجبات المواطنية، إما يأسا من إمكانية حدوث تغييراتٍ إيجابية وإصلاحات عملية، أو تسليما للأمر والتدبير لممثل الشعب والناطق باسمه، إلى جانب طيفٍ سياسيٍ آخر يرى المقاطعة رسالة إلى السلطة القائمة والملاحظين (المراقبين)، وعدم المشاركة والانخراط في هذه المحطّات تعبيرا عن الرفض والاحتجاج ضد المسار المتبع منذ الانقلاب على السلطة صائفة 2021.
ثانيا، يمثل غياب الإنجاز لمنظومة الرئيس والعجز عن تطويق الأزمات، خصوصا منها الاقتصادية، خيبة أمل لدى فئة واسعة من الشارع التونسي، كما أن هامشية المؤسسات الأخرى، حكومة وبرلمانا وقضاءا، في ظل النظام الشمولي القائم، يجعل من الرهان على مجالس محلية محدودة السلطة والتأثير أشبه بالتعلق بالسراب. وهو ما يفرض سؤالا أساسيا بشأن سبل نجاح هذه المؤسسات بصلاحياتها المحدودة، بعد أن فشل الرئيس بصلاحياته الواسعة.
يمثل المناخ الاقتصادي المتدهور تحدّيا كبيرا للدولة، وعقبة أمام إقبال انتخابي كبير
ثالثا، تضع هذه الانتخابات المحلية منظومة الرئيس المرتكزة على حكم الفرد أمام تناقضٍ جديد، يتمثل في تعارض مبدأ الحكم المحلي، وما يستوجبه في كل الأنظمة الديمقراطية من مساحات استقلالية ولامركزية لخدمة المواطنين عن قرب، مع استحواذ قصر قرطاج على كل السلطات والصلاحيات.
رابعا، يمثل المناخ الاقتصادي المتدهور تحدّيا كبيرا للدولة، وعقبة أمام إقبال انتخابي كبير، وقد انشغل المواطنون بالبحث عن المواد الأساسية والانتقال اليومي بين طوابير الخبز والزيت وضروريات الحياة.
جعلت هذه السياقات هيئة الانتخابات تعبّر عن خشيتها من ضعف المشاركة في هذه الانتخابات المحلية، وتكرار نسب المشاركة التي سجلت في الانتخابات البرلمانية في يناير/ كانون الثاني الماضي (2023)، حيث لم تتجاوز حدود 11.4% من مجموع الناخبين، كما يمكن أن تكون أضعف حسب بعض التوقعات.
وعلى غرار موقف جبهة الخلاص الوطني الداعي إلى مقاطعة انتخابات المجالس المحلية، وقعت أكثر من 250 شخصية من سياسيين ومستقلين وممثلين عن المجتمع المدني عريضة وطنية مفتوحة، تحت عنوان "لا للانتخابات المحلية"، دعوا من خلالها التونسيين إلى مقاطعة هذه الانتخابات بوصفها محطّة أخرى لإلغاء مؤسّسات الجمهورية الديمقراطية، بحسب نص البيان الذي نشره "ائتلاف صمود". واعتبر الموقعون أن دعوة الناخبين إلى انتخاب المجالس المحلية، من دون أن يكون لهذه المجالس قانون أساسي يحدّد دورها وصلاحياتها، أمر غير مسبوق في تاريخ الدول والشعوب، وأن الغرض من تركيز هذه المجالس إضعاف السلطة المحلية وتشتيتها، وجعلها هي الأخرى أداة طيّعة في يد السلطة التنفيذية.
قد لا تجد دعوات المقاطعة هذه وقعا وآذانا في العمق الشعبي، بسبب عدم ثقة عموم التونسيين بالفاعلين والنشطاء ونفورهم من التجاذبات السياسية، ولكن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد تلقي بظلالها بشدّة على حياتهم وخياراتهم، وقد تكون أحد أهم أسباب العزوف وعدم المشاركة.