عطر جيل الطيّبين
عندما ذكرتُ لابنة صديقتي الشابّة ذات السابعة عشرة من عمرها اسم عطرٍ معيّن، عندما سألتني عن عطري المفضل، ابتسمت باستغراب، وقالت لي، كمن يعتذر عن خطأ عفوي؛ نعم .. لاحظت أن معظم السيدات من جيل الطيّبين يفضّلن هذا العطر. عطر جميل فعلا ولكنه قديم جدا.
لم أدرك العلاقة المباشرة بين اسم عطر معين أفضله ومصطلح جيل الطيّبين قبل أن تخبرني الشابة اللطيفة بذلك، وهي تفسّر لي سبب اختفاء ذلك العطر من معظم الأسواق بقلة عدم الإقبال عليه من الأجيال الجديدة كما يبدو!
لاحظت، ومنذ سنوات قليلة مضت، أنني أصبحتُ أنتمي للجيل الذي يسمّيه شباب هذه الأيام وشابّاتها بأنه جيل الطيّبين، فكلما أبديت اعتراضي على أمرٍ ما مستجد، أو تذكّرت سلوكا معينا كنت أمارسه في سنوات مراهقتي، قال لي أحد أفراد عائلتي من الشباب والشابات إنني من جيل الطيّبين.
من الواضح طبعا أنهم يقصدون أنه الجيل الذي لم يعد ينتمي إلى العصر الراهن، وأنه جيل مضى وانتهى، ولم يعد له الحقّ بإبداء رأيه في ما يحدث هذه الأيام، رغم أنه ما زال جزءا من الحدث وجزءا من الوقت وجزءا من الواقع أيضا. ويتجاوز بعضُهم أحيانا بمعنى جيل الطيبين ليكون الجيل الساذج والمغفّل، والذي لا يعرف شيئا مما حوله من معطيات جديدة، فيبدو عالة على الزمن، ولا ينبغي له سوى انتظار نهايته، وهو جالس بهدوء وصمت على مقاعد المتفرّجين.
لا أدري من الذي أقنعهم وأقنع كثيرين من جيل الطيّبين نفسه بأن الأفكار تنتظم في نظام زمني متتابع، بحيث لا ينبغي لجيلٍ معين أن يفكر كما يفكر الجيل الذي سبقه أو الجيل الذي سيليه.
غالبا ما أجد نفسي أنحاز لأفكار كثيرين سبقوني بجيلٍ أو بأكثر من جيل، أو لأفكار من لحقوني بجيل أو بأكثر من جيل أيضا، ولا أجد ضيرا في هذه الأفكار أو تلك. حتى أنني لا أنتبه إلى وعائها الزمني، لولا أنني دائما أجد من يذكّرني بذلك أو يلفت نظري إليه على سبيل الاستغراب أو الإعجاب، أو ربما الامتعاض أحيانا. وينطبق الأمر أيضا على كل شيء تقريبا، بدءا من أطباق الطعام وأنواعه، مرورا بالأزياء والعطور والديكور والموضة عموما بكل مفرداتها، وانتهاء بالقراءات والكتب والأغاني والأفلام أيضا. ولولا شيوع تسمية جيل الطيّبين التي بدأت أتآلف معها، وأجدها وصفا ممتازا لجيلي بكل ذكرياته الطيبة، والتي غالبا ما أنظر إليها الآن، كمن يتفرّج على ألبوم صور بالأسود والأبيض، لما علمت لأي جيلٍ أنتمي. ذلك أنني ما زلت أجهل أساس مصطلح الجيل، ومعناه ومقداره من السنوات، وعلى أي أساسٍ يستطيع أحدٌ تقسيم الأفكار والمبادئ والمعتقدات والمعارف والأذواق في كل شيءٍ في الحياة، وفقا لمصطلح الجيل وحده. فلو كان هذا منطقيا لما وجد في الجيل ذاته، من الاختلافات والخلافات، ما أدّى إلى الحروب والصراعات على المستوى الفردي أو الشخصي وعلى المستوى الجمعي أو العام، فجيل واحد يجمعه ذوق عام في نوع من العطور على سبيل المثال تفرّقه أشياء أخرى كثيرة جدا لا تعدّ ولا تحصى، وتبعتد به عن فكرة الجيل ذي المواصفات الجمعية العامة كلها.
ورغم أنني أستخدم مصطلح "جيل"، غالبا وفقا للشائع وحسب، ذلك أنني ما زلت غير مؤمنةٍ بفكرته، إلا أن مصطلح جيل الطيّبين تحديدا سيصالحنا كما يبدو مع الفكرة كلها. على عكس المتوقع ممّن يصمنا به، ومنهم الشابة اللطيفة التي أعجبت بعطري المفضّل لولا أنه .. قديم ولا ينتمي للموضة.