على الغرب استيعاب هجرة الإسرائيليين
تتساءل الإسرائيلية ساعر شموئيل: "إلى أين يمكن الهجرة من دون تأشيرة وإلى مكان قريب، ليس لدي مشكلة مع الدخل، لديّ مشكلة مع التأشيرة، هل من توصيات؟".
وتكتب كريمن روسو "أريد مغادرة البلاد، وكنت أفكّر في الهجرة إلى السويد أو النرويج، ولا أحمل الجنسية الأوروبية، ماذا عليّ أن أفعل؟". وفي الاتجاه نفسه، كتبت آيه رعايا "نمتلك جوازات سفر إسرائيلية فقط، ومدّخرات قدرها 300 ألف، وطفلتي تبلغ ثلاث سنوات، وزوجي في قلق حقيقي، يقول إنها ستتحول إلى حرب عالمية، وعلينا الهروب أطول فترة ممكنة".
تتوجه التساؤلات السابقة إلى حملة "لنغادر معاً"، كما ورد في تقرير لمحمد وتد على موقع الجزيرة نت. وتضم مجموعة الحملة في تطبيق "واتساب" 676 مشاركاً، غالبيّتهم العظمى من الإسرائيليين، وبعضهم من اليهود المقيمين في دول مختلفة، وبخاصة في أوروبا وكندا وأميركا. ويرد في التقرير أن أكثر من 230 ألف إسرائيلي غادروا منذ عملية طوفان الأقصى حتى 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
ومنذ "7 أكتوبر"، تأتي الأخبار شبه اليومية عن تدافع حشود من الإسرائيليين للمغادرة، لكن الحرص على عدم تكرار نشر الأخبار نفسها يؤدّي إلى تقطع المتابعة الإعلامية لهذا الحدث. وقد أدّى خروج مطار بن غوريون عن الخدمة مؤقتاً إلى تحفيز إسرائيليين على المسارعة في المغادرة ما إن أُعيد افتتاح المطار. وبالنظر إلى امتلاك إسرائيليين كثيرين جوازات سفر أجنبية فقد سهّل لهم هذا فرصة المغادرة، بيد أن كثيرين لا يمتلكون مثل هذه الوثائق، وهم ممن يتلقّون العون والإرشاد من حمْلة "لنغادر معاً". وبينما يقصد إسرائيليون كثر بلدين قريبين؛ اليونان وقبرص، فإن آخرين يسعون إلى الهجرة إلى البرتغال وفيتنام وغيرهما.
تتكبّد إسرائيل خسائر يومية في الأرواح ونزفاً اقتصادياً، وهو لا يُقارن، بطبيعة الحال، بحرب الإبادة التي يتعرّض لها أكثر من مليونين من أبناء غزّة
ترتبط موجة الهجرة الحالية بعملية اقتحام مستوطنات غلاف غزّة، غير أن الهجرة بدأت قبل ذلك، في حمى التوتّرات الاجتماعية التي رافقت التعديلات القضائية التي أطلقتها حكومة بنيامين نتنياهو، واشتداد وتيرة التظاهرات الاحتجاجية على تلك التعديلات. ولو لم يتم فرض حالة الطوارئ التي تحِدّ من مظاهر الحياة الطبيعية، لكانت التظاهرات قد تواصلت بعد أن أوقفتها حالة الطوارئ عند أسبوعها الأربعين. وفي استطلاع للرأي أجرته القناة 13 الإسرائيلية، في يوليو/ تموز الماضي، تبين أنّ نحو ثلث الإسرائيليين يفكّرون في مغادرة البلاد، مع إصرار حكومة نتنياهو على تمرير التعديلات القضائية، غير أن الوضع حالياً بات أسوأ، فإضافة إلى شبح الديكتاتورية، وشبح تراجع الوضع الاقتصادي، هناك واقع اضطراب حبل الأمن بصورة شديدة. وبدلاً من المخاوف من اندلاع حرب أهلية على خلفية الانقسام بشأن التعديلات القضائية، هناك حالياً حرب حقيقية ناشبة، وصافرات الإنذار تنطلق في أي وقت وأي مكان. أما دعوات الاحتياطي للالتحاق بالجيش، والتي تشمل من هم في سن الخمسين من أجل خوض حرب طويلة، فليست من التطوّرات التي تثير الطمأنينة. وإذا كان ثلث الإسرائيليين قد فكّروا في الهجرة قبل شنّ الحرب على غزّة، فكم تبلغ النسبة بعد وقوع الحرب؟
لا يُقارَن وضع الإسرائيليين بما يعانيه الفلسطينيون الذين يتعرّضون لحرب وحشية مباشرة على بيوتهم وعائلاتهم وأجسادهم، ومع ذلك يشعر الإسرائيليون بأن دولتهم لم تعد مكاناً آمناً للعيش، وبأن من حقّهم تغيير مكان إقامتهم. وقد توقع تقرير في صحيفة ذي ماركر الإسرائيلية ارتفاع أعداد المغادرين مع استمرار الحرب وتصاعد التوترات على الجبهة الشمالية مع لبنان، والمواجهات المتواصلة في الضفة الغربية المحتلة.
ورغم أن أرقاماً محدثة لم ترشح عن أعداد المهاجرين الإسرائيليين، إلا أن هناك أرقاماً تتعلق بفئة أخرى أضرت بها التطورات ضرراً شديداً، فقد أفاد مركز دراسات إسرائيلي يوم 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي بأن أكثر من ربع مليون إسرائيلي نزحوا من منازلهم في جنوبي البلاد وشماليها، منذ بداية الحرب على قطاع غزّة، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وأفاد مركز دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب على موقعه الإلكتروني أنه "منذ بداية الحرب تم إخلاء 64 بلدة إسرائيلية في شمالي البلاد وجنوبيها". وهذه ظاهرة لا سابق لها في تاريخ المواجهات. وبما أن الحرب على غزّة وأبنائها مرشّحة لأن تمتدّ شهوراً، كما بشّر وزير الحرب يوآف غالانت، سوف يبقى النازحون الإسرائيليون على نزوحهم، ومن الطبيعي، في هذه الظروف، أن تسعى نسبة من هؤلاء إلى اللجوء والهجرة إلى الخارج.
من الواجب أن لا تتلكأ دول الغرب وبقية الدول في استيعاب مزيد من الهجرة الطوعية المتنامية للمهاجرين الإسرائيليين، وحتى التشجيع عليها من منظور إنساني
ليست موجة الهجرة الحالية الوحيدة والأولى من "أرض اللبن والعسل"، فقد شهدت الدولة الإسرائيلية موجاتٍ من الهجرة على إيقاع التصعيد الأمني (التعبير الملطف عن التنكيل الجماعي بالفلسطينيين) منذ عام 1987، غير أن الوضع هذه المرّة يختلف، إذ تتكبّد الدولة خسائر يومية في الأرواح ونزفاً اقتصادياً، وهو لا يُقارن، بطبيعة الحال، بحرب الإبادة التي يتعرّض لها أكثر من مليونين من أبناء غزّة، غير أن الإسرائيليين لم ينذروا أنفسهم للمعاناة وبذل التضحيات كما هو حال الفلسطينيين الذين يدركون أن اقتلاعهم من أرضهم التاريخية هو في قلب المشروع الصهيوني، وهو هدف رئيس لهذه الحرب الوحشية.
وبما أن نسبة كبيرة من الإسرائيليين هم من ذوي الجذور الأوروبية والغربية عموماً، بما يشمل أميركا وكندا وأستراليا، وبما أن نسبة أخرى فشلت في الاندماج، كما هو حال يهود روس ظل انتماؤهم معلقاً ما بين روسيا وإسرائيل، فإن من الواجب أن لا تتلكأ دول الغرب وبقية الدول في استيعاب مزيد من الهجرة الطوعية المتنامية للمهاجرين الإسرائيليين، وحتى التشجيع عليها من منظور إنساني، فسوف يكون لذلك انعكاسات إيجابية على بؤرة التوتر والصراع، فالمنحدرون من أبناء الجيل الثالث أو الرابع أو الخامس لقدامى المهاجرين اليهود لن يسوءهم ولن يصادفوا صعوبة في العودة إلى مواطن أجدادهم في بولندا وفرنسا وألمانيا وجمهوريات البلطيق ورومانيا وبلغاريا على سبيل المثال، فيما تتوفر البلاد على ملاذ لأكثرية أبناء قطاع غزّة، وذلك بعودة هؤلاء الواجبة الى البلدات التي تم تهجيرهم منها في 1948، وبعضها يقع في لواء اللد، وأكثرها في "غلاف غزّة "، أو غير بعيد عنه في قضاء بئر السبع، فلهؤلاء أمكنة قريبة منهم ينتسبون إليها، وقد أُخرج آباؤهم وأجدادهم قسراً منها قبل 75 عاماً، وما زالوا على ارتباط روحيٍّ وثيق بها.