عندما يحتفل رجال باغتصاب الزوجات
كلّ الذين واتتهم نوبة السخرية المجنونة على "السوشيال ميديا"، في بعض البلدان العربية، عند سماعهم بقضية "الاغتصاب الزوجي" والتي تفجرت فجأة منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، ووضعت كلّ شخصية مسؤولة أمام مسؤوليتها القانونية والدينية، كلّهم خاب سعيهم نحو "النكتة والتريقة والهزار السخيف" وكأنّنا نخترع الذرة، أو كأنّ الحكاية مجرد "اشتغالة" من المسؤولين، والحقيقة هي ليست كذلك أبداً.
الاغتصاب الزوجي، أو ما يُعرف في الغرب بـ"Martial Rape" قضية عالمية قديمة، تعاني منها نساء المجتمعات المتحضرة في بلاد العالم الأول، وتُسَنُ لها القوانين ويُحبس بسببها الزوج سنوات طوالاً، وأحياناً يُقتَل بيد المُغتَصَبة زوجته.
لكنّك أيضاً يجب أن تتساءل كثيراً، حدّ الدهشة والشك، عن معنى تلازم هذين التاريخين بالذات، 20 يونيو/ حزيران 2021 و22 يونيو/ حزيران 2021، وبينهما يوم واحد، ففي التوقيت نفسه في أوروبا وبعض الدول العربية، ظهرت "هوجة" ما عُرف بقضية الاغتصاب الزوجي، وتواكبت في اللحظة نفسها قضيتان إنسانيتان متشابهتان للغاية عن امرأتين، في فرنسا وفي مصر، تعرّضتا للاغتصاب من زوجيهما، وجهرتا بالحكاية على وسائل التواصل الاجتماعي.
من يدير العالم ويوزع قضاياه هنا وهناك بحرفة أو بخباثة أو بقصد وحسن نية؟ وهل الأمر هكذا بالفعل؟ أم أنّه قد آن الأوان ليعدل العدل ميزانه؟
الفرنسية التي قتلت زوجها واعترفت في المحكمة، ألّفت كتاباً حكت فيه وقائع وتفاصيل مُخجلة ومؤلمة، وصار كتابها من الـ"بيست سيلر" بل الأعلى توزيعاً في العالم 2021، وعنوانه "الجميع يعرفون هذا". والمؤلفة المتهمة بالقتل، اسمها فاليرى بيكوت، أطلقت المحكمة سراحها من دون حبس، بعد إدراج جريمتها ضمن قضايا الاغتصاب الزوجي.
لكن، بعد تلك الواقعة بيوم، نشرت المصرية ندى عادل، في صفحتها على "إنستغرام" قصة مشابهة إلى حدّ ما. روت حكايتها مع الاغتصاب الزوجي، وهنا قامت القيامة في مصر، ثم كانت حلبة النار التي أشعل سعيرها (الداعية) عبدالله رشدي، بسخريته من المرأة وقضيتها وتبريره لهذا الشكل من العلاقات، وهو صاحب الآراء الفقهية المثيرة للجدل والمستهجنة من الجماهير ومن المؤسسة الدينية التي خرج مفتيها الشيخ علي جمعة، ومعه عبلة الكحلاوي، ليناصرا السيدة، وليوضحا أنّ هذا أمر قديم ومعروف ومستهجن تماماً ومرفوض ومُدرج في كتب السنّة النبوية، حتى أنّ النبي محمد نهى عنه.
السؤال الذي تشعله نظرية المؤامرة: كيف ولماذا تواكبت الحادثتان في التوقيت نفسه في أوروبا وبلاد العرب؟ هل ثمّة من فعلها؟ من يدير العالم ويوزع قضاياه هنا وهناك بحرفة أو بخباثة أو بقصد وحسن نية؟ وهل الأمر هكذا بالفعل؟ أم أنّه قد آن الأوان ليعدل العدل ميزانه؟ السخرية والتنكيت التي انطلقت على "السوشيال ميديا" في الوطن العربي، قابلتها جدية والتزام وتظاهرات في فرنسا حيث تجد أنّ الناس قد تجمهروا خلف السيدة فاليرى باكوت، قاتلة زوجها، حتى حصلت على البراءة الأسبوع الماضي، بعدما كان القضاء الفرنسي قد حكم عليها بخمس سنوات، قضَت المتهمة أربع سنوات منها في المحاكم، عارضة قضيتها، فقرّر القضاء إطلاق سراحها ليصبح الحكم رادعاً للأزواج جميعهم.
على الذين واتتهم نوبة السخرية المجنونة على "السوشيال ميديا"، عند سماعهم ما عُرِف الآن بقضية الاغتصاب الزوجي، أن يوقفوا الضحك، ويبدأوا في البكاء
ربما حصلت فاليري باكوت على إطلاق سراحها، لأنّ حكايتها بدت للعالم شديدة الأسى وشديدة القسوة، إذ كان عشيق والدتها قد داوم على اغتصابها، وهي في عمر 12 عاماً، ولمّا أخبرت والدتها بالأمر، عنّفت الأم العشيق، ووعدها بعدم فعل ذلك ثانية، ثم عاد إلى فعله، حتى حملت الفتاة، ثم هرب عشيق الأم مع الابنة وتزوجا وأنجبت ثلاثة، وبعدها تبدلت أحواله معها وحبسها في قبو، ومارس عليها ساديته، واغتصبها مراراً، ثم أجبرها على الدعارة، وكان ينتقي الرجال ويجمعهم معها في الشاحنة الخاصة به، ويحصل على المال مقابل ذلك، فكان أن أطلقت عليه النار، ثُمّ أحرقت جثته بمساعدة اثنين من أبنائها، ثم اعترفت بجريمتها وألّفت كتابها.
ما هو الاغتصاب الزوجي؟ في حكاية شديدة الإثارة على "فيسبوك" و"إنستغرام" راحت السيدة ماندي بوردمان، من إنديانا الأميركية، تحكي وتشرح للذين لا يفهمون معنى "الاغتصاب الزوجي" كي يفهموا، وتقول إنّها مثال لهذه الجريمة، فقد اكتشفت، بعد مضيّ سبع سنوات على زواجها النموذجي، بعض التغيرات تحدث لها كأن تستيقظ من النوم وطعم حبوب منع الحمل ما زال في فمها، ومرات كانت تجد نفسها عارية تماماً وملقاة في مكان بالشقة، وحين استجمعت ذاكرتها توصلت إلى أنّ زوجها كلّ مساء يسقيها "حاجة أصفرة". وعند البحث في هاتفه النقال، وجدت فيلمي فيديو جنسيين مسجلين لها وله على جهازه الخليوي. أما الكارثة فكانت أنّ الزوجة تبدو في كلّ المشاهد كأنّها ميتة، جثة هامدة من تأثير المخدر الذي يسقيها إياه كل ليلة. استنسخت المرأة الفيلمين، واتجهت بهما إلى الشرطة والقضاء، ودين زوجها بعشر سنواتٍ من السجن.
لذا، على كُلّ الذين واتتهم نوبة السخرية المجنونة على "السوشيال ميديا" في بعض البلدان العربية، عند سماعهم ما عُرِف الآن بقضية الاغتصاب الزوجي أن يوقفوا الضحك، ويبدأوا في البكاء.