عن النساء اللواتي قطّعن مغتصبهن
شهد عام 2004 حادثة مقتل الهندي مغتصب النساء والقاتل المتسلسل على يد مائتي امرأة، أكثر من 40 منهن كُنّ من ضحاياه، وقد تكالبن عليه ضرباً وركلاً وطعناً وتقطيعاً بمائتي سكينة على الملأ، وداخل باحة أكبر المحاكم الهندية، حتى أنهنّ لم يتركنه إلا جثةً غارقاً في بحر دمائه، بينما كانت بعض أوصاله مفصولةٌ فوق التراب، بجوار جثّته شاهدة على جرائمه، إذ كان يعذّب النساء قبل اغتصابهن وينعتهن بالعاهرات، وقتل كثيراتٍ من ضحاياه.
لم تكن حادثة مقتل القاتل المغتصب بشعة جداً، بمعنى أنها لم تكن ببشاعة جرائمه، فلم تلقَ استهجاناً قوياً وقتها سوى من الرجال، بينما لاقت ترحاباً وقبولاً لدى قطاع عريض من نساء العالم تشفيا وأملا في تقنين وضع "بيدي لا بيد قوانين تنتصر للقاتل والمجرم والمغتصب ولا تنتصر لضحايانا".
كان النسيان قد طوى الحادثة التي جرت وقائعها عام 2004، حتى أن الفتيات الهنديات اللواتي يتم اغتصابهن بشكل منظم الآن، وأعمارهن 17 عاماً، لم يسمعن بها مطلقاً. كما أن ذاكرة رجال كثيرين نسيتها باعتبارها عملا عاديا، لأن فعل الاغتصاب متكرّر عبر الزمن في الهند وغيرها من بلاد العالم المتأخر والمتقدم، حتى أن إحصائية أصدرها عام 2018 أحد مراكز الأبحاث الخاصة بجرائم الاغتصاب في الهند أفادت بأن امرأة تُغتصب كل 15 دقيقة.
لا فرق بين الفعل وصاحبه في "هوليوود" أو "بوليوود"
كانت الطريقة الفريدة التي قُتِلَ بها الجاني أكّو ياداف (Akku Yadav) استثنائية، وغير مسبوقة في التاريخ، وتصلح مادّة ثرية لفيلم سينمائي. ولسوف يحتار المصوّر في كيفية تصوير مشهد مائتي امرأة يتحلقن في دائرة، ويتسابقن في القتل، وبعضهن لا تستطيع الوصول إلى قلب الدائرة لاتساعها. وفي نقطة المركز، في المنتصف غير المرئي بوضوح من كثافة الهجوم وهمجيته وقوته، يقبع الضحية مضرّجاً في دمه، وفي عينيه كل رعب الكون. وبعد الجريمة صرخت النسوة جميعهن في وجه البوليس الذي هرع إلى الحادثة، قائلاتٍ في صوتٍ واحد للشرطة: "اعتقلونا جميعنا".
أعيد، أخيراً، التذكير بتلك الواقعة ونشرها وبثها بقوة، وصارت "تريند" على "السوشيال ميديا". وعادت وقائعها القديمة لتستحوذ على اهتمام الناس في أرجاء الدنيا، حين أنجزت فتاة أميركية هنديه الأصل، تُدعى Swasti Shukla Buick، فيلما قصيرا عنها، وجُمعت وصوّرت فيه شهادات النسوة اللواتي اغتصبن، ثم قَتَلن المغتصب. قلن إنهن قتلنه قبل أن تبرّئه المحكمة وتطلق سراحه كما جرت العادة في الهند، حيث لا يُحاكم المغتصِب ولا يُحبَس. وكانت صاحبة الفيديو قد بثته على تطبيق "تيك توك"، فشاهده في ساعاته الأولى مليونا شخص في العالم.
ولا تعكس بعض شهادات الضحايا فقط واقع المجتمع الهندي البائس، بل أيضا واقع كثير من مجتمعاتنا التي لا تختلف كثيرا عن الهند. قال البوليس لواحدة من الضحايا: أنتِ امرأة "فاقدة"، (صايعة)، لذا تم اغتصابك. وهذا ما يردّده مشايخ في مثل تلك الحالات، وقد ألقوا الذنب كله على المجني عليها، وكانت من المتّهمات بقتل الجاني وقد اعترفت في الفيلم بأنها قالت للمغتصب، وهي تطعنه: "أنت أو نحن في هذا العالم الذي لا يسعنا معا، مُت أنت".
جنوب أفريقيا الأعلى في حوادث اغتصاب النساء، وتليها الهند
ويظل السؤال الحائر والمحيّر هنا: لماذا ترتع بلاد تشتهر بتعدّد دياناتها ومعابدها، وتنوع رجالات دينها وكثرتهم بمثل هذه الجرائم؟ ألا تردع الأديانُ، الرجالَ، وتُهذّب أرواحهم المنفلتة تجاه الخطيئة؟ ثُمّ، هل ثمة فروق كبيرة بين أكّو ياداف، المغتصب والقاتل المقتول، ورجال من عينة هارفي وينستين وجيفري أبستاين وكثيرين من فنّاني "هوليوود" المتهمين بجرائم اغتصاب؟
لا، لا يوجد أي فرق، الجريمة واحدة والأخلاق واحدة، ربما كان الفرق في أشكال الشخصيات والمجتمعات الزائفة اللامعة وأسمائها. وبعودة إلى وقائع الشهادات المروّعة التي روتها فنانات "هوليوود" قبل عامين عن حكايا اغتصابهن من زملاء لهن في المهنة، ندرك أن لا فرق بين الفعل وصاحبه في "هوليوود" أو "بوليوود"، لكن الهند التي قفز فيها وباء كورونا و"الفطر الأسود" إلى أعلى معدّل في العالم الآن، هي أيضًا موبوءة برقم متقدّم (الثانية في العالم) في معدلات اغتصاب النساء والعنف ضدهن. وتُعد جرائم الاغتصاب فيها رابع أنواع الجرائم، طبقا لتقرير صادر عام 2019 عن مركز أبحاث جرائم الاغتصاب (NCRB)، مؤكّدا أن 32033 امرأة اغتصبن في الهند عام 2018، بمعدل 91 حالة اغتصاب كل يوم.
نساء الهند لسن أكثر همجية، لكن فنانات "هوليوود" كنّ أكثر انتهازية ونفاقا
دولة جنوب أفريقيا هي الأعلى في حوادث اغتصاب النساء، وتليها الهند، بينما تفيد أحدث دراسة معنية بالجرائم ضدَّ النساء بأن 70% من المُغتصبات في الولايات المتحدة يعرفن الجناة جيداً، ولا يَبُحنَ بأسمائهم. وفي إبريل/ نيسان الماضي، كان موقع The Business Stander قد نشر تقريرا "طبقا لبيانات مراجعة سكان العالم ومراجعة إحصاءات الاغتصاب حسب البلد"، يؤكد أن 35% من نساء العالم أجمع قد تعرّضن للاغتصاب.
ويظل السؤال المحير: هل كانت نساء الهند اللواتي تكالبن على "الذكر" المغتصب، وقتلنه بأيديهن أكثر همجيةً مِنْ فنانات "هوليوود" اللواتي التزمن الصمت طويلا، ثم بدأن في البوح، وأشرن إلى زملائهن، يتهمنهم، بوضوح وبالأسماء، بينما لم تصدر عنهن أي إشارة عنف أو تعنيف للجاني، بل ظلّ بعضهن يعمل عشرات السنين مع المغتصب، مخرجاً كان أو منتجاً أو ممثلاً زميلاً؟
الإجابة: نساء الهند لسن أكثر همجية، لكن فنانات "هوليوود" كنّ أكثر انتهازية ونفاقا.