عندما يُحاضر الأسد في كتّاب عرب
ليس خبراً أنّ المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب عقد اجتماعه الأسبوع الماضي في ضيافة النظام القاتل في دمشق، فقد دشّن هذا الأمر، في غضون المقتلة الجارية في سورية، الأمين العام السابق (الراحل) للاتحاد، الشاعر الإماراتي حبيب الصايغ، بترتيباتٍ نشط فيها زميلُه الرئيس السابق (المعزول) لاتحاد الكتّاب العرب في سورية، نضال الصالح، فاجتمع المكتب المذكور، وهو ائتلافٌ يضم الاتحادات والروابط الأعضاء (أظنها 16)، مرّتين سابقتين (مع تغيّب بعضهم)، وها هو الأمين العام الذي ورث المنصب مُنتخَبا، المصري علاء عبد الهادي، يواصل، بمشاركةٍ دؤوبةٍ من رؤساء اتحادات عربية (الفلسطيني مراد السوداني خصوصا)، هذه السنة، بل وبحماسٍ مُفرط. وليس هذا مستغربا، بالنظر إلى المواقف التي أعلن عنها الاتحاد العام (تأسّس في 1954)، في مؤتمراته العامة، واجتماعات مكتبه الدائم، في طنجة والعين وأبوظبي ودبي، ودمشق طبعاً، منذ 2015، وساند فيها أنظمة الثورات المضادّة، و"حيّا" فيها ما أنجزته مصر من "استحقاقات ديمقراطية"، عندما "انتُخب" عبد الفتاح السيسي رئيسا. واغتبط الاتحاد في بيان واحدٍ من اجتماعاته في أبوظبي بتراجع حركة النهضة في انتخابات تونس العام 2015. أما عن "يقظة" المجتمعين في مؤتمرات الاتحاد بصدد الإرهاب في سورية فتوازت دائما مع الصمت المُطبق عن مسؤولية نظام البراميل المتفجّرة عن جرائمه المشهودة، وتمويته آلافا ممن هتفوا للحرية وضد الاستبداد. وهنا يحسُن التنويه باتحاد كتّاب المغرب الذي نأى بنفسه عن كثيرٍ من هذا كله، فلم يشارك، مثلا، في اجتماع دمشق أخيرا.
كلّ الحق مع من يؤشّر، وإنْ هازئاً، إلى "قلة عقلٍ" في الاهتمام بهذا الكيان، الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، والذي لم يعد يكترث بوجودِه أحد، سوى أهل السفر من مؤتمرٍ إلى مؤتمر له، ولا يلتفت إلى بيانات اجتماعاته التي تنتظم دوريا (تحظى منذ سنوات بتمويلٍ من الإمارات)، ومن تلك البيانات ذلك البيان الفضيحة الذي أصدره حبيب الصايغ، بعد انفضاض المؤتمرين في اجتماع المكتب الدائم في العين (ديسمبر/ كانون الأول 2017)، بسبعة أيام، وضمّنه تطاولا صريحا على دولة قطر، في غضون الحصار الرباعي عليها. مع كل الحق ذاك، من مهمّات الصحافة الثقافية الإضاءة على رداءاتٍ كهذه، من قبيل التي يقترفها كتّابٌ يُفترض أنهم منشغلون بالإبداع واستقلال المثقف وحريات المواطن العربي. وقياسا على هذا، لا شطَط ولا تزيّد في أن ينكتب هنا إن إنصات شعراء وروائيين وقاصّين إلى بشار الأسد يُحاضر فيهم، وقد أنعم هذه المرّة عليهم باستقباله لهم، فضيحةٌ لهم، سيما وأن الخبر الذي طيّرته وكالة الأنباء السورية (سانا) عن اللقاء أفاد بأن مضيف هؤلاء سمع منهم أن "انتصار سورية هو انتصارٌ للأمة برمتها"، بعد أن تعالَم عليهم، وأفاض في الحديث قدّامهم عن "حرب المصطلحات"، وهي حربٌ خطيرة، بحسبه، ضد الأمة، وقال لهم "من الضروري أن نعيد تركيب هذه المصطلحات بالمضمون الذي يتناسب مع فكرنا وانتمائنا، ومع العروبة بمعناها الحضاري العام والشامل". والبادي أن الثرثرة اتّسعت موضوعاتها في الجلسة، فبلغت مدىً حكى فيه الأسد عن وجوب العمل على رفع مستوى المجتمع من الناحية الفكرية (!)، و"ألا يكون المثقف في مكان والمواطن في مكان آخر". أما المستضافون فقد أخذتهم الحماسة، وهم يُنصتون إلى هذا الكلام، وقد ظنّوا أن المتحدِّث فيهم إنما يوكِل إليهم تعيينا هذه المهمة الكبرى، فقالوا إنه لا بد من تحقيق الأمن الثقافي، الذي أصبح، بحسبهم طبعا، ضرورة للأمن القومي العربي.
ومن عجائب تنتسب إلى الكوميديا البائسة أن الأمين العام للاتحاد العام والأدباء والكتّاب الفلسطينيين، مراد السوداني، في كلمته باسم المجتمعين في افتتاح المؤتمر في مكتبة الأسد، وبحضور بثينة شعبان وبعثيين قُطريين، اعتبر الاجتماع يعمل على "تحسين الوجدان العربي للمساهمة دائما في المقاومة والنضال في وجه الاحتلال". وللحق، يُغبط الذين تقاطروا إلى دمشق لمباركة المقتلة التي يواصلها نظام الأسد على أورام فائض الثقة فيهم، وهم يسترسلون في كلامٍ منتفخٍ مثل هذا، كما قول علاء عبد الهادي إن "أهمية" اجتماعهم هذا في دمشق أنه يجدّد المواقف الداعمة لسورية، ليس فقط في حربها ضد الإرهاب، وإنما أيضا "دفاعا عن سيادتها وأرضها وحرية قرارها" (!).
في أي عالمٍ يعيش هؤلاء؟ أي شعور يغشاهم وهم يرتضون لأنفسهم كل هذه الذيلية لنظامٍ لا صفة له سوى أنه قاتلٌ وكاذب.