عن "شاهين" الذي تخلّصنا منه
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
مع الإعصار الذي اجتاح جزءاً من السواحل العُمانية، خصوصاً ولايتي الخابورة والسويق، راجت أغنية شعبية عفوية، أدّاها متطوعون، سجّلوا ما سُميت ملحمة وطنية تعكس تعاضداً شعبياً مع ضحايا الجائحة. تقول الأغنية، مع صوت الطبول والتصفيق ورفع المعاول: "هذا خلصنا منه قولوا له باي باي/ هذا خلصنا منه يا ويلك من الجاي".
ما حدث يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري فاجأ الجميع، حتى إن رئيس تحرير صحيفة الرؤية العُمانية، حاتم الطائي، طالب، في عمودٍ له، بأن يكون هذا اليوم يوماً وطنياً، وذلك حين تدفق آلاف الشباب حاملين معاولهم، ومتخلّين عن لباسهم الشعبي (الكمّة والمصر)، ومرتدين ملابس عصرية تتماشى مع العمل والجهد الذي ينتظرهم في أرض المعركة مع الطمي وتيارات الماء والفوضى الهائلة التي أحدثها الإعصار في ما بقي من بيوت، فثمة بيوت مُسحت بالكامل، وجدران هُدمت، وكان أمر الجائحة رهيباً كما عكسته صور من المكان عينه.
كان الإعلام الرسمي في مستوى الحدث، حين صور تفاصيل كثيرة من مخلّفات الجائحة، كذلك فإن مختلف هيئات الدولة، من جيش وشرطة وطواقم طبية، كانوا يخوضون لمساعدة المتضرّرين. ولكن ما سمّيت الملحمة الشعبية هو الحدث الأبرز في هذا الصراع غير المتكافئ مع الطبيعة، حين هجمت المياه من أكثر من جهة على قرى الولايتين الكبيرتين، فبالإضافة إلى البحر وفيضانه والسيول الجارفة، شاركت الأودية والشِّعاب الجبلية في الخراب الذي لم يترك في بعض البيوت، على ما قال متضرّرون، حتى صحناً يأكلون فيه. فضلاً عن أرتال السيارات التي جرفتها المياه في طريقها ثم دفنتها. وتلك التي لعبت بها، وكأنما تستخدمها سلاحاً إضافياً للهجوم، حيث إن سبب تهدّم بعض الجدران كان هجوم هذه السيارات عليها في لعبةٍ عشوائيةٍ خلفت كارثةً لم تُمحَ آثارُها بعد، وحاصرت عائلاتٍ كاملة أياماً، وكانت مشقّة الوصول إليهم عسيرة. ولم يحدُث الإنقاذ من دون مواقف وصعوبات تتفاقم أكثرمع حلول الظلام، بسبب انقطاعات التيار الكهربائي.
من الصور التي راجت كثيراً في بداية الجائحة، صورة الرجل الثمانيني الذي قطع مئات الكيلومترات من الجبل الأخضر إلى ولاية الخابورة مرتدياً قميص العمل، والذي كأنما جرّ وراءه آلاف الشباب، من ظفار إلى مصيرة، للمشاركة في الإنقاذ. كذلك إن بلاغة المشاركة لم تقف عند حدّ المشاركة الشخصية، فهناك من لم يستطع الحضور، فاكتفى بالمشاركة المالية. ومن النماذج البارزة المرأة التي تبرّعت بمبلغٍ ادّخرته لأداء فريضة الحج لإعانة المتضرّرين، قائلة: "الحج ملحوق عليه، ولكن ضرر الناس لا ينتظر". والطفل الذي في عمر سبع سنوات يتبرّع بكل مدّخراته من العملات المعدنية. إلى جانب متطوّعات كن يمررن على البيوت بدافع واجب المساعدة. كان العمل في ذلك الميدان المضطرب بالماء والطمي يعني ساعاتٍ طوالاً من دون انقطاع، والنوم في أي مكان ساعات قليلة. وقد شارك فيه كذلك مقيمون في البلاد، وقد جرى تداول مقطع لمقيم أوروبي يسجل فيديو في استراحة وهو جالسٌ فوق الماء.
خرج في يوم 8 أكتوبر أكثر من 15 ألف متطوّع ومتطوّعة، واصطفّوا إلى جانب رجال الجيش والشرطة. وتحدّثت كتابات عن الاحتباس الحراري، وما يجب أن تقوم به الحكومة العُمانية في السعي دبلوماسياً للحد منه، فهو المسبّب الرئيس في ما صرنا نشهده من فيضانات وحرائق كان عام 2021 أحد عناوينها البارزة، وقد عانت منها مناطق في آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا، ما يؤكد الدعوة الملحّة إلى البدء فوراً بتفعيل الاستراتيجية العالمية لمقاومة الاحتباس الحراري التي كانت الأمم المتحدة قد أقرّتها.
ومن الأهمية كذلك الاستفادة من تواتر هذه الكوارث لتصليب البنية التحتية، فليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها عُمان لكوارث مائية كالإعصار شاهين، والمكسب المهم هذه المرّة تجنّب سقوط ضحايا بشرية، ما يدلّ على أن يقظةً واستعدادات مهمة كانت تسبق زحف الإعصار إلى المناطق العُمانية، حيث جرى إيواء العائلات القريبة من البحر قبل هجومه بوقت كافٍ.
وفي شأن الشطر الثاني من الأغنية "يا ويلك من الجاي"، استحدث السلطان هيثم، تساوقاً مع استشرافات الكوارث، "صندوقاً للتعامل مع الكوارث"، وذلك في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي، أثنى فيه على جنود حملة الإغاثة بفئاتهم كافة.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية