عن خفّة رأيٍ مُستهجنة لوزير فلسطيني
اتسم الرأي الذي نشره وزير الثقافة الفلسطيني، عاطف أبو سيف، حول الانتخابات الإسرائيلية (صحيفة الأيام الفلسطينية، 6/11/2022) بخفّةٍ مُستهجنة، ولا سيّما لدى توقفه عند كيفية خوض الفلسطينيين في الداخل هذه الانتخابات التي جرت يوم الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، والدوافع الحقيقية التي أدّت إلى ذلك ويدركها القاصي قبل الداني.
بجرّة قلم، كتب الوزير أبو سيف أنّ سبب تفكّك "القائمة المشتركة" للفلسطينيين في أراضي 1948 وتنافس حزب التجمع الوطني الديمقراطي في هذه الانتخابات بقائمة مستقلة، يعود إلى "خلاف على مقعدٍ هنا ومقعدٍ هناك"، ما أدّى برأيه، إثر الانتخابات، إلى "تدهور الحضور العربي (في الكنيست الإسرائيلي المنتخب) بشكل لافت"، بينما كان يمكن هذا الحضور العربيّ "أن يغيّر المعادلة ولو قليلاً"، ولكنها (الأحزاب العربية) لم تفعل "لأن الخلاف على توزيع المقاعد أعمى البعض عن الهدف الحقيقي من الحضور الفلسطيني في الكنيست، والمتمثل بالحدّ من تغوّل الصهيونية على حقوق أبناء شعبنا، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية".
تكمن خفّة هذا الرأي حيال الفلسطينيين في الداخل وأجندتهم الوطنية والسياسية، بداية، في التجاهل العامد لحقيقة أن ما حدا حزب التجمع إلى خوض الانتخابات ضمن قائمة مستقلة، محاولة إقصائه عن الانتخابات قبل ساعات معدودة من موعد غلق تقديم قوائم المرشّحين، لأن القوتين السياسيتين الأخريين في "القائمة المشتركة" (الحزب الشيوعي الإسرائيلي والحركة العربية للتغيير) قررتا التخلي عن البيان السياسي الذي وقّعتاه مع "التجمّع"، والذي حدّد ثوابت لا يمكن التراجع عنها في كل ما يتعلق بتمثيل فلسطينيي الـ48 في الكنيست وغايات هذا التمثيل بمنأى عن الانخراط في أصول اللعب الصهيونية.
وهنا لا بُدّ من القول إن القوتين المذكورتين أرادتا بهذا المسلك منافسة قوة سياسية ثالثة انشقّت في الانتخابات السابقة التي جرت عام 2021 عن "القائمة المشتركة"، وهي القائمة العربية الموحدة التابعة للجناح الجنوبي من الحركة الإسلامية، ودخلت بعد تلك الانتخابات إلى الائتلاف الحكومي المنتهية ولايته برئاسة نفتالي بينت ويائير لبيد. وتجسّد هذا الأمر تحديداً في إعراب القوتين عن رغبتهما في التحوّل إلى بيضة القبّان، بحسب ما أوحت استطلاعات الرأي العام، بين معسكر الأحزاب المؤيدة لرئيس الليكود ورئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو ومعسكر الأحزاب المناوئة له. وعلى الرغم من توقيعهما بياناً سياسياً مع حزب التجمّع ينطوي على فهم للواقع الإسرائيلي وتحديّاته، وعلى خطاب سياسي ملائم للمرحلة الراهنة، إلا أن النزعة المذكورة دفعتهما إلى التنكّر لهذا البيان والالتفاف على "التجمّع" ومحاولة إقصائه. وثمّة مؤشّرات قوية على أن ذلك كله جرى بالتعاون مع رئيس الحكومة الإسرائيلية الانتقالية، يائير لبيد. ولكن حتى لو لم تكن الحال كذلك، فلا ينبغي التغاضي عن حقيقة بسيطة مؤدّاها أن النتيجة تبقى واحدة.
ليس من التجنّي القول إن خفّة رأي الوزير هذه تحيل أيضاً على استخفافٍ بذكاء قارئ لبيبٍ ومدركٍ تمام الإدراك أنه حتى قبل أن تتفكّك "القائمة المشتركة" بمركّباتها الأربعة ثم بمركباتها الثلاثة، كان ثمّة فرز داخلها تأتى عنه إبراز خطاب التيّار الوطني في الداخل الذي يمثّل عليه حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي دأب على التحذير من خطورة طرح الاندماج في الائتلافات الحكومية، أو طرح التأثير فيها، كغايتين رئيسيتيْن لا ثالثة لهما من خوض الانتخابات للكنيست الإسرائيلي والفوز بتمثيلٍ فيه. ولا شكّ في أن حزب التجمّع لو نجح في اجتياز نسبة الحسم، لكان سيقف بالمرصاد لهذين الطرحين اللذين تمثلهما الآن القوتان اللتان اجتازتا نسبة الحسم ويعبّران عن نهجٍ واحدٍ، وسيصبح سدّاً داخل البرلمان يحول دون تدهور الحقل السياسي الفلسطيني في الداخل إلى حضيضٍ جديدٍ من تشويه الهوية الوطنية والذيلية للأحزاب الصهيونية. وبات "التجمّع" الآن يرى أن مهمته الرئيسية هذه انتقلت إلى ميدان العمل الشعبي، حيث يتعيّن عليه أن يرمي بكل ثقله كي لا يترك الساحة لمبعوثي التشويه والأسرلة ليسرحوا فيها من دون رقيب أو حسيب.