عن رسالة الغنّوشي من المعتقل

01 مايو 2024
+ الخط -

بمناسبة مضي سنة على اعتقاله في ليلة 27 رمضان 2023، كتب الزعيم السياسي التونسي ورئيس مجلس النواب المنقلب عليه، راشد الغنّوشي، رسالة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وجّه فيها مجموعة من المعاني، وجاءت على بعض الثوابت والأهداف.

تساءل راشد الغنوشي، في بداية رسالته، سؤالين تقييميين عن ضرورة إلقاء الخطاب الذي سبّب اعتقاله ذات مسامرة فكرية تدرس سبل استئناف المسار الديمقراطي وإسقاط الإنقلاب، والتي أكّد فيها رفضه التماشي مع الانقلاب في حل البرلمان، وتعطيل المؤسّسات، وإلغاء الدستور، وجمع السلطات، وذكر فيها مخاطر الإقصاء والاستثناء على وحدة النسيج السياسي الوطني، كما تساءل عن منجزه خلال سنة من الاعتقال، وهو الشيخ الثمانيني الذي قضى حياته بين السجن والمنفى والنضال والجهد الفكري.

اعتبر راشد الغنوشي أن ما حدث ليلة المسامرة المشهودة لم يكن حدثاً عرضياً في مسار مقاومة حزبه، حركة النهضة، الانقلاب، وأسبقيتها في الإفصاح عن ذلك، والتحذير من مآلاته، والذي يمثل خياراً صائباً أثبتته الوقائع لاحقاً، وعزّزه التحاق جل الطيف السياسي والحقوقي التونسي في الموقف والتوصيف. كما أن رفض حركة النهضة الانقلاب كان تعبيراً منسجماً مع إيمانها بقيمة الحرية واستنكارها حكم الفرد الذي امتدّ من الصادق باي إلى بورقيبة وبن علي، وانقطع بعد الثورة ليعود بعد الانقلاب، وفق قوله. وأشار الغنوشي إلى اعتزازه بهذه المواقف النبيلة، رغم ثمنها الباهظ أحياناً، والتي لا يشوبها شك في مقابل الإحساس بالخيبة والندم من منح حزبه ثقته وأصوات ناخبيه لمن عاد بالبلاد إلى الوراء، ومن لو كانت الثورة كتاباً ما وجدت له فيه سطراً، هذا فقط ما يستوجب الندم.

وفي إجابته عن سؤال منجزه في هذه السنة، بيّن رئيس البرلمان المنحل أن أهم ما يمكن لسجين رأي القيام به صموده وثباته على مواقفه المبدئية في وجه السجّان، من دون أن تتحوّل ضغوط القيد إلى عوامل تثبيط وكسر للعزائم، ومن ثم تخطئة وجهة النقد والتقييم، مؤكّداً أن كل المساجين السياسيين ثابتون على موقفهم من الانقلاب وضرورة مقاومته بقيم الديمقراطية والعمل المدني السلمي. وواجب السجين السياسي الثاني الحفاظ على صحته، وهو يسعى إلى ذلك ما استطاع داخل أكثر المؤسّسات التي اخترعها الإنسان توحّشاً.

أهم ما يمكن لسجين رأي القيام به صموده وثباته على مواقفه المبدئية في وجه السجّان

يدرك كل من يعرف الأستاذ الشيخ راشد الغنوشي مدى شغفه بالقراءة ومطالعة كل جديد إلى جانب تدويره المستمرّ زوايا النظر وشجاعته في النقد وتعديل المواقف والآراء، بما فيها مواقفه الشخصية. وقد ذكر في رسالته أن السجن كان فرصة له للتأمّل والكتابة والمطالعة، إذ قرأ عدة موسوعات ومجلدات وكتب في الفكر والسياسة والعمران.

اختتم الغنوشي رسالته بالتذكير بقيمة الحرية وعمق إيمانه بها منطلقاً ومقصداً ورحلة نضال، كان قد عبّر عنها في محاضرات عدة وفي ورقاته، وفي كتبه وأهمها "الحرّيات العامة في الدولة الإسلامية"، ونافح عنها عبر محطّات حياته المختلفة، كما ناصر كل القضايا الإنسانية العادلة في العالم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتدخّل لحل نزاعات سياسية وفكرية في أقطاب مختلفة، وسعى إلى تثبيت قيم الديمقراطية في وطنه خلال العشرية الماضية متمسّكاً بالحوار والتوافق الوطني، متجنّباً دواعي الاستقطاب السياسي والأيديولوجي، متجاوزاً عن المحرّضين ضده والمسيئين له، مكرّراً المثل المحبب إليه "اللّي يغلب يعفّ"، بمعنى أن على المنتصر أن يعفو، وتحمّل في ذلك أذى كبيراً من المخالفين لسياساته الرامية إلى المصالحة الوطنية، وتجاوز الماضي بأحقاده وثاراته وضغائنه.

لعلّه لم يفعل الخير في أهله، ولم يحذر إكرام اللئيم، هكذا يقول بعضهم، ولكنّ حسن النية ونبل الهدف يكفيانه. هذه الصفات والمسيرة المضيئة للزعيم التونسي والمفكّر العربي جعلت أصواتاً عديدة في العالم تطالب بكسر قيده الظالم والإفراج عنه، كما أعلنت عن ذلك الهيئة الدولية لمناصرة راشد الغنوشي التي جرى إطلاقها قبل أيام، وتضم عشرات الشخصيات الفكرية والسياسية من دول عديدة، مطالبة بإطلاق سراحه من دون قيد أو شرط، ورفع المظالم المسلطة عليه، وإلغاء الأحكام القضائية ضدّه، وإعادة الاعتبار له بوصفه أحد القامات الفكرية والسياسية.