عن مشروع الحكم لدى تحالف المعارضة التركية
أعلن تحالف أحزاب المعارضة الستة في تركيا، نهاية الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني)، عن وثيقة السياسات المشتركة التي تشكل خريطة طريق للتحالف لإدارة البلاد في حال فوزه في الانتخابات المقبلة التي يُرجح أن تُجرى في 14 مايو/أيار المقبل. وتضمّنت رؤية متكاملة لإدارة السلطة على كل الصعد السياسية والاقتصادية والقضائية والسياسة الخارجية. مع استثناء النقطة الأبرز التي ترتكز عليها الوثيقة، وهي الانتقال من النظام الرئاسي المعمول به منذ سنوات إلى نظام برلماني مُعزز، فإن معظم بنود الوثيقة الأخرى كانت وعودا عامة بالإصلاح وتقديم أداء أفضل في الإدارة، مقارنة بحكم الرئيس رجب طيب أردوغان. غير أن تنفيذ هذه الرؤية الطموحة بشكل متكامل يتطلب، قبل كل شيء، أمرين أساسيين: الفوز في الانتخابات بالطريقة التي تُمكن التحالف من امتلاك وسائل السلطة الكاملة لإحداث تغيير جذري. والحفاظ على تماسك التحالف السداسي فيما لو وصل إلى السلطة. ولأن الانتخابات المقبلة ستكون رئاسية وبرلمانية معاً، فإن المعارضة بحاجة إلى الفوز الواضح في كليهما من أجل تنفيذ مشروعها. بمعنى آخر، سيكون الفوز في الرئاسة من دون البرلمان أو العكس غير متكامل.
نتائج الانتخابات الرئاسية ستعني الكثير للمعارضة وأردوغان على حد سواء، لأن احتمال خسارة أردوغان سيُدخل تركيا في حقبة جديدة
تأخذ المنافسة على الرئاسة الحيّز الأكبر من الاهتمام، ويبدو ذلك مفهوماً بالنظر إلى أن نتائج الانتخابات الرئاسية ستعني الكثير للمعارضة وأردوغان على حد سواء، لأن احتمال خسارة أردوغان سيُدخل تركيا في حقبة جديدة. كما أن العداء له شكل دافعاً قوياً لتحالف المعارضة السداسي لطيّ الاختلافات الأيديولوجية لأحزابه جانباً، والوحدة من أجل إنهاء عهد أردوغان. ولكن حقيقة أن التحالف لا يزال يواجه صعوبة في التوافق على مرشح رئاسي مشترك تمنح أردوغان ميزة أخرى، لتعزيز فرص بقائه في السلطة. قد ينجح التحالف هذا الشهر في الإعلان عن مرشح مشترك، لكنّ هوية المرشح ستُحدد أيضاً مدى قدرته على الوصول إلى الأصوات التي يُعتقد أنها ستكون حاسمة في الانتخابات، كالناخبين الكردي والمحافظ الذي ابتعد في خياراته عن أردوغان. تبدو خيارات المعارضة محدودة في هذا الخصوص. ففي حال خضع التحالف السداسي لضغوط زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال قليشدار أوغلو، لتبنّي ترشيحه للرئاسة، فإن ذلك قد يُقيد قدرة التحالف على خطب ودّ الأصوات الحاسمة بشكل أفضل، علاوة على كونه منافساً مفضلاً لأردوغان، لأنه أقل تهديداً عليه من المنافسين الآخرين المحتملين، كرئيسي بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور يافاش. وفي حال رفضت الطاولة السداسية تبنّي ترشيح قليشدار أوغلو من دون التوافق على شخصية أخرى، فإنها ستُخاطر في انهيار التحالف، أو على الأقل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية بعدة مرشّحين، ما يُصعّب المهمة عليه في انتخابات الرئاسة.
حتى لو نجح تحالف المعارضة في هزم أردوغان في انتخابات الرئاسة، فإنه سيكون بحاجة إلى فوز برلماني واضح يضمن له تعديل الدستور والتحوّل نحو النظام البرلماني المُعزّز
في غضون ذلك، تكتسب الانتخابات البرلمانية أهمية كبيرة أيضاً في رسم مستقبل تركيا بعد الانتخابات، فحتى لو نجح تحالف المعارضة في هزم أردوغان في انتخابات الرئاسة، فإنه سيكون بحاجة إلى فوز برلماني واضح يضمن له تعديل الدستور والتحوّل نحو النظام البرلماني المُعزّز. وتفيد أحدث استطلاعات الرأي بأن التحالف الحاكم سيحصل على ما يقرب من 44% من أصوات البرلمان، ما يعني أن تحالف المعارضة السداسي لن يتمكّن من الحصول بمفرده على أغلبية الثلثين اللازمة لتعديل الدستور (400 صوت من أصل 600) أو أغلبية 360 صوتاً لطرح التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي. وفي حال صحّت هذه الاستطلاعات، فإن العنصر الذي سيلعب دوراً حاسماً بوضوح في تحديد نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية هو الصوت الكردي. كون أن القاعدة التصويتية لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي تتراوح بين 11% و13% من أصوات الناخبين، فإن التموضع الذي سيُقرّره في المنافسة الانتخابية سيكون حاسماً لترجيح الكفة بين تحالفي الحكومة والمعارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً. على الرغم من أن الافتراض المنطقي أن أصوات حزب الشعوب لن تذهب إلى أردوغان والتحالف الحاكم في أي حال، فإن ذلك لا يعني أن هذه الأصوات ستذهب إلى التحالف السداسي بالضرورة. احتمال حدوث شلل في السلطة بعد الانتخابات مُرجّح إلى حد كبير، في حال لم ينجح أي من التحالفين الحاكم والمعارض في استقطاب حزب الشعوب لدعمه في الانتخابات وبعدها.
في انتخابات الرئاسة ستظهر الحاجة للصوت الكردي بشكل أكبر إذا ما ذهبت الانتخابات إلى جولة ثانية كما هو مرجّح
على الرغم من أهمية حالة حزب الشعوب الديمقراطية في المنافسة الانتخابية، إلا أنه لا يزال بعيداً عن السياسة الانتخابية لكلا التحالفين. لكنّ تحالف المعارضة يسعى إلى استقطاب الصوت الكردي، من خلال طرح وعود انتخابية مرتبطة به، كإلغاء نظام الوصاية على البلديات التي عُزل رؤساؤها بسبب اتهامهم بالارتباط بحزب العمال الكردستاني. ومع أن الحزب الكردي أعلن اعتزامه تقديم مرشّحه الخاص لخوض الانتخابات الرئاسية، فإن انخراطه في العملية الانتخابية مرهونٌ بمستقبل الدعوى المرفوعة ضدّه لإغلاقه. هناك ثلاثة سيناريوهات لهذه القضية، وجميعها ستؤثر على الستاتيكو الانتخابي. إما أن تُقبل الدعوى بحل الحزب قبل الانتخابات، وبالتالي حرمانه من المشاركة فيها، وتفتيت الصوت الكردي ككتلة وازنة، وذهاب بعض أصوات الحزب إلى الأحزاب الأخرى، أو رفض الدعوى ودخوله في المنافسة الانتخابية، أو تأجيل البتّ في الدعوى إلى ما بعد الانتخابات. وفي السيناريوهين الأخيرين، ستكون للحزب اليد العليا في رسم السياسة الانتخابية لكل من التحالف الحاكم والمعارض قبل الانتخابات وبعدها.
في انتخابات الرئاسة، على سبيل المثال، ستظهر الحاجة للصوت الكردي بشكل أكبر إذا ما ذهبت الانتخابات إلى جولة ثانية كما هو مرجّح. الافتراض السائد أن الحزب لن يصوّت لأردوغان، لكنّ ذلك لا يعني أنه سيُصوّت أيضاً للمعارضة، ما يُساعده في الدخول في عملية مساومة معها لتحقيق اعترافٍ بوجوده في العملية السياسية، والحصول على مكاسب متعلقة بالمسألة الكردية التركية. لكنّ ذلك تعترضه عقبة الموقف المتشدّد لحزب الخير القومي تجاه حزب الشعوب الديمقراطية. لا ترجع تحفظات زعيمة الحزب، ميرال أكشنار، على إشراك الحزب الكردي في الطاولة السداسية إلى أيديولوجيتها القومية فحسب، بل أيضاً لخشيتها من أن يؤدّي التعاون معه إلى فقدان قاعدتها التصويتية القومية، وذهابها إلى حزب الحركة القومية المتحالف مع أردوغان.
الاعتقاد السائد والمنطقي أن الوحدة التي تُظهرها المعارضة حالياً مدفوعةٌ بشكل رئيسي بالعداء لأردوغان
وعلى صعيد الانتخابات البرلمانية، ستكون النتائج التي سيحققها حزب الشعوب الديمقراطية حاسمة في رسم المشهد البرلماني بعد الانتخابات. سيكون تحالف المعارضة، على وجه التحديد، بحاجةٍ إلى حزب الشعوب للحصول على أغلبية الثلثين لتمرير تعديل الدستور، أو على الأقل الحصول على غالبية 360 صوتاً لطرح التعديل على الاستفتاء الشعبي. على اعتبار أن التحالفات الانتخابية في تركيا مُتغيّرة، وتخضع لظروف براغماتية أكثر من كونها أيديولوجية، فإن التحالف الحاكم قد يسعى أيضاً إلى خطب ود حزب الشعوب.
أخيراً، التحدّي الأكبر الذي يواجه تحالف المعارضة في حال تحقيق فوز واضح في السلطة هو تشكيل حكومة ائتلافية مستقرّة، قادرة على إحداث التغيير الذي يُريده. تجربة تركيا مع الحكومات الائتلافية غير مشجّعة، والرهان عليها في حالة المعارضة حالياً ينطوي على مخاطر أكبر، في ظل الاختلافات الأيديولوجية الواسعة بين أحزابها. الاعتقاد السائد والمنطقي أن الوحدة التي تُظهرها المعارضة حالياً مدفوعةٌ بشكل رئيسي بالعداء لأردوغان. لكنه مع انتفاء هذا العامل بعد الانتخابات، ستطغى الخلافات بشكل أكبر على المعارضة. ولا يشير الإعلان عن وثيقة السياسات المشتركة قبل الانتخابات، في أي حال، إلى أنه سيكون قابلاً للتنفيذ في حال وصول المعارضة إلى السلطة. لا يُمكن للوثيقة أن تمنع صراعاً داخل التحالف السداسي على السلطة.